وللشعراء فيه أخبارٌ كثيرةٌ، منها أن يحيى بن زياد، ومطيع بن إباس، خرجا حاجين، فاجتازا بدير زرارة وطلبا الراحة فيه، وقالا: نتزود قليلاً من المرد والخمور، ثم نلحق بأثقالنا، فنزلا الدير، وسار الناس، ولم يزل هذا أمرهما إلى أن انصرف الحاج، فحلقا رأسيهما، وركبا بعيرين مهزولين، كأنهما أنضاهما السفر، ودخلا معهم، فقال مطيع:
ألم ترني، ويحيى إذْ حججنا ... وكان الحجُّ من خيرِ التجارة
خرجنا طالبيْ حجَّ ونسكٍ ... فمال بنا الطريقْ إلى زرارهْ
فآبَ الناسُ قدْ حجوا وبروا ... وأبنا مثقلينِ من الخسارة
106 دير الزرنوق: بالزاي المضمومة، ثم بالراء المهملة الساكنة، ونون، وآخره قاف. هو جبل يطل على دجلة بينه وبين جزيرة ابن عمر فرسخان، وهو من الديرة القديمة، معمور إلى الآن، ذو بساتين وحانات كثيرة.
ويعرف بعمر الزرنوق، وبجانبه دير آخر يعرف بالعمر الصغير، وهو كثير الرهبان والرواهب، عظيم المتنزهات.
قال الشابشتي: كان هذا الدير يسمى (باسم) (دير بطيز ناباذ) ، وهو بين الكوفة والقادسية، على وجه الطريق، بينه وبين القادسية ميل.
107 دير الزريقية: وهو من ديرة بغداد عند رقة باب الشماسية، وهو نزه، كبير، آهل، معمور بالقصف واللهو والخمر. وعيده في الأحد الثاني من أيام الصوم.
108 دير الزعفران: ويسمى عمر الزعفران، وهو قرب جزيرة ابن عمر، تحت قلعة أرد مشت، والقلعة مطلة عليه.
ولما حاصر المعتضد القلعة نزل بالدير، حتى تم له فتحها ولأهله ثروة وغنى، وفيهم كثرة.
109 ودير الزعفران أيضاً، على الجبل المقابل لنصبين على جانبها الشرقي.
وهو منسوب إلى الزعفران، الذي كان يزرع فيه.
ودير الزعفران من أنزه المواضع، من الديرة الموصوفة بالحسن، والمواقع المعروفة بطيب هوائها ومائها، وحوله أشجار وكروم، وفيه ينابيع وعيون ومعاصر وحانات، ورهبان وقلايات وهو مقصود من أهل القصف واللهو واللعب والشعر.
وللشعراء فيه أشعار كثيرة، ولمصعب الكاتب فيه:
عمرتْ بقاعُ عمرِ الزّعفرانِ ... بفتيانٍ غطارفةٍ هجانِ
بكل فتىً يحنُّ إلى التصابي ... ويهوى شرب عاتقةِ الدِّنانِ
بكلِّ فتى يميلُ إلى الملاهي ... وأصواتِ المثالث والمثاني
ظللنا نعملُ الكاساتِ فيه ... على روضٍ كنقشِ الخسرواني
وأغصانٍ يميلُ بها ثمارُ ... قريباتٌ من الأيدي دوانِ
تثنّيها الرياحُ، كما تثنى ... بحسنِ قوامهِ حبٌّ سباني
وأنهارٍ تسلسلُ جارياتٍ ... يلوح بياضها كاللؤلؤان
وأطيارٍ إذا غنّتكَ نغني ... عن [ابن المارقي] ، وعن بنان
تجاوبها إذا ناحتْ بشجوٍ ... بتطريبِ القوافزِ والقناني
وغزلانٍ مرابعها فؤادي ... شجاني منهمُ ما قد شجاني
وبرهامٌ، وحنّا وشعيا ... ذوو الإحسانِ والصورِ الحسانِ
رضيتُ بهمْ من الدنيا نصيبي ... غنيتُ بهمْ عن البيضِ الغواني
أقبلُ ذا، وألثمُ خد هذا ... وهذا مسعدٌ، سلسٌ العنانِ
فهذا العيشُ، لا حوضٌ ونؤيٌ ... ولا وصفُ المعالمِ والمغاني
قال: وفي جبل نصيبين أديرة أخر.
110 دير زكي: بفتح أوله، وتشديد الكاف، وبالقصر.
قال الأصبهاني: هو دير بالرها، بإزائه تل يسمى تل زفر بن الحارث الكلابي، وفيه قرية تدعى الصالحية اختطها عبد الملك بن صالح الهاشمي.
قال الخالدي في كتاب الديرة: دير زكي بالرقة، قريب من الفرات، وعلى جنبيه نهر البليخ، وهو أحسن الديارات موضعاً وأنزهها موقعاً وليس يخلو من المتطربين لطيبه.
وأنشد للصنوبري فيه:
أراقَ سجالهُ [بالرقتين] ... جنوبيٌّ، صحوبُ الجانبين
ولا اعتزلتْ عزاليه المصلى ... بلى خرّتْ على الخرارتينِ
وأهدى للرصيفِ رصيف مزنٍ ... يعاوده طرير الطرّتينِ
معاهدُ، بل مآلفُ باقياتٌ ... بأكرمِ معهدينِ ومألفينِ
يضاحكها الفراتُ بكلِّ فجٍّ ... فتضحكُ عن نضارٍ أو لجينِ
كأنَّ الأرض من صفرٍ وحمرٍ ... عروسٌ تجتلي في حلتّينِ
كأنّ عناقَ نهريْ دير زكي ... إذا اعتنقا عناقُ متيمين
وقتْ ذاكَ البليخَ يدُ الليالي ... وذاك النيلّ من متجاورينِ