الحيوان (صفحة 550)

688-[الغمر والمجرّب من الحمام]

وفي الحمام الغمر والمجرّب، وهم لا يخاطرون بالأغمار لوجهين: أحدهما أن يكون الغمر عريفا فصاحبه يضنّ به، فهو يريد أن يدرّبه ويمرّنه ثمّ يكلفه بعد الشيء الذي اتّخذه له، وبسببه اصطنعه واتخذه. وإمّا أن يكون الغمر مجهولا، فهو لا يتعنّى ويشقي نفسه، ويتوقّع الهداية من الأغمار المجاهيل.

وخصلة أخرى: أنّ المجهول إذا رجع مع الهدّى المعروفات، فحمله معها إلى الغاية فجاء سابقا، لم يكن له كبير ثمن حتّى تتلاحق به الأولاد. فإن أنجب فيهنّ صار أبا مذكورا وصار نسبا يرجع إليه، وزاد ذلك في ثمنه.

فأمّا المجرّب غير الغمر، فهو الذي قد عرّفوه الورود [1] والتحصّب؛ لأنّه متى لم يقدر على أن ينقضّ حتّى يشرب الماء من بطون الأودية والأنهار والغدران، ومناقع المياه، ولم يتحصّب بطلب بزور البراريّ، وجاع وعطش- التمس مواضع الناس. وإذا مرّ بالقرى والعمران سقط، وإذا سقط أخذ بالبايكير [2] وبالقفّاعة [3] ، وبالملقف [4] وبالتّدبيق [5] وبالدّشاخ [6] ؛ ورمى أيضا بالجلاهق [7] وبغير ذلك من أسباب الصّيد.

والحمام طائر ملقّى غير موقّى [8] ، وأعداؤه كثير، وسباع الطّير تطلبه أشدّ الطلب. وقد يترفّع مع الشّاهين، وهو للشاهين أخوف. فالحمام أطير منه ومن جميع سباع الطير، ولكنّه يذعر فيجهل باب المخلص ويعتريه ما يعتري الحمار من الأسد إذا رآه، والشاة إذا رأت الذّئب والفارة إذا رأت السّنّور.

689-[سرعة طيران الحمام]

والحمام أشدّ طيرانا من جميع سباع الطير، إلّا في انقضاض وانحدار؛ فإنّ تلك

طور بواسطة نورين ميديا © 2015