الحيوان (صفحة 549)

ذا التّجربة والمعرفة اللّطيفة، وكيف تسخو أنفسهم بالجعالة الرّفيعة، وكيف يختارون لحملها من رجال الأمانة والجلد والشّفقة والبصر وحسن المعرفة- لعلم عند ذلك صاحب الدّيك والكلب أنّهما لا يجريان في هذه الحلبة، ولا يتعاطيان هذه الفضيلة.

687-[خصائص الحمام]

قال: وللحمام من حسن الاهتداء، وجودة الاستدلال، وثبات الحفظ والذّكر، وقوّة النّزاع إلى أربابه، والإلف لوطنه، ما ليس لشيء. وكفاك اهتداء ونزاعا أن يكون طائر من بهائم الطير، يجيء من برغمة، لا بل من العليق، أو من خرشنة [1] أو من الصفصاف [2] ، لا بل من البغراس [3] ، ومن لؤلؤة [4] .

ثمّ الدّليل على أنّه يستدلّ بالعقل والمعرفة، والفكرة والعناية أنّه إنما يجيء من الغاية على تدريج وتدريب وتنزيل. والدليل على علم أربابه بأنّ تلك المقدّمات قد نجعن فيه، وعملن في طباعه، أنّه إذا بلغ الرّقّة غمّروا به بكرّة إلى الدّرب وما فوق الدّرب من بلاد الرّوم، بل لا يجعلون ذلك تغميرا؛ لمكان المقدمات والترتيبات التي قد عملت فيه وحذّقته ومرّنته.

ولو كان الحمام ممّا يرسل باللّيل، لكان ممّا يستدلّ بالنّجوم؛ لأنّا رأيناه يلزم بطن الفرات، أو بطن دجلة، أو بطون الأودية التي قد مرّ بها، وهو يرى ويبصر ويفهم انحدار الماء. ويعلم بعد طول الجولان وبعد الزّجال، إذا هو أشرف على الفرات أو دجلة، أنّ طريقه وطريق الماء واحد، وأنه ينبغي أن ينحدر معه.

وما أكثر ما يستدلّ بالجوادّ من الطّرق إذا أعيته بطون الأودية. فإذا لم يدر أمصعد أم منحدر، تعرّف ذلك بالرّيح، ومواضع قرص الشمس في السماء. وإنّما يحتاج إلى ذلك كلّه إذا لم يكن وقع بعد على رسم يعمل عليه فربّما كرّ حين يزجل به يمينا وشمالا، وجنوبا وشمالا، وصبا ودبورا- الفراسخ الكثيرة وفوق الكثيرة.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015