تنحطّ انحطاط الصخور ومتى التقت أمّة من سباع الطّير أو جفالة [1] من بهائم الطير، أو طرن على عرقة [2] وخيط ممدود، فكلّها يعتريها عند ذلك التّقصير عما ما كانت عليه، إذا طارت في غير جماعة.
ولن ترى جماعة طير أكثر طيرانا إذا كثرن من الحمام؛ فإنّهنّ كلما التففن وضاق موضعهنّ كان أشدّ لطيرانهنّ، وقد ذكر ذلك النّابغة الذّبيانيّ في قوله [3] : [من البسيط]
واحكم كحكم فتاة الحيّ إذ نظرت ... إلى حمام شراع وارد الثّمد [4]
يحفّه جانبا نيق ويتبعه ... مثل الزّجاجة لم تكحل من الرّمد [5]
قال: ألا ليتما هذا الحمام لنا ... إلى حمامتا ونصفه فقد [6]
فحسبوه فألفوه كما حسبت ... تسعا وتسعين لم تنقص ولم تزد
فكمّلت مائة فيها حمامتها ... وأسرعت حسبة في ذلك العدد
قال الأصمعيّ: لما أراد مديح الحاسب وسرعة إصابته، شدّد الأمر وضيّقه عليه؛ ليكون أحمد له إذا أصاب؛ فجعله حزر طيرا، والطّير أخفّ من غيره، ثمّ جعله حماما والحمام أسرع الطّير، وأكثرها اجتهادا في السرعة إذا كثر عددهنّ؛ وذلك أنّه يشتدّ طيرانه عند المسابقة والمنافسة. وقال: يحفّه جانبا نيق ويتبعه، فأراد أنّ الحمام إذا كان في مضيق من الهواء كان أسرع منه إذا اتّسع عليه الفضاء.
وصاحب الحمام قد كان يدرّب ويمرّن وينزل في الزّجال، والغاية يومئذ واسط [7] .
فكيف يصنع اليوم بتعريفه الطّريق وتعريفه الورود والتحصّب [8] ، مع بعد الغاية؟!