بنوادر من ضروب الشّعر، وضروب الأحاديث، ليخرج قارئ هذا الكتاب من باب إلى باب، ومن شكل إلى شكل؛ فإنّي رأيت الأسماع تملّ الأصوات المطربة والأغانيّ الحسنة والأوتار الفصيحة، إذا طال ذلك عليها. وما ذلك إلّا في طريق الراحة، التي إذا طالت أورثت الغفلة.
وإذا كانت الأوائل قد سارت في صغار الكتب هذه السّيرة، كان هذا التّدبير لما طال وكثر أصلح، وما غايتنا من ذلك كلّه إلّا أن تستفيدوا خيرا.
وقال أبو الدّرداء: إنّي لأجمّ نفسي ببعض الباطل، كراهة أن أحمل عليها من الحق ما يملّها [1] !
فمن الاحتجاجات الطيّبة، ومن العلل الملهية، ما حدّثني به ابن المديني قال [2] : تحوّل أبو عبد الله الكرخيّ اللّحيانيّ إلى الحربيّة [3] فادّعى أنّه فقيه، وظنّ أنّ ذلك يجوز له؛ لمكان لحيته وسمته.
قال: فألقى على باب داره البواريّ، وجلس وجلس إليه بعض الجيران، فأتاه رجل فقال: يا أبا عبد الله! رجل أدخل إصبعه في أنفه فخرج عليها دم، أيّ شيء يصنع؟! قال: يحتجم. قال: قعدت طبيبا أو قعدت فقيها؟
وحدّثني شمعون الطبيب قال [4] : كنت يوما عند ذي اليمينين طاهر بن الحسين فدخل عليه أبو عبد الله المروزيّ فقال طاهر: يا أبا عبد الله مذكم دخلت العراق؟ قال: منذ عشرين سنة، وأنا صائم منذ ثلاثين سنة. قال: يا أبا عبد الله، سألناك عن مسألة فأجبتنا عن مسألتين!