بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ*
وما أودعها الله عزّ وجلّ من ضروب المعرفة، ومن الخصال المحمودة، لتعرف بذلك حكمة الصّانع، وإتقان صنع المدبّر.
وإن كنّا قد أمللناك بالجدّ وبالاحتجاجات الصحيحة والمروّجة؛ لتكثّر الخواطر، وتشحذ العقول- فإنّا سننشّطك ببعض البطالات، وبذكر العلل الظّريفة، والاحتجاجات الغريبة؛ فربّ شعر يبلغ بفرط غباوة صاحبه من السرور والضحك والاستطراف، ما لا يبلغه حشد أحرّ النوادر، وأجمع المعاني.
وأنا أستظرف أمرين استظرافا شديدا: أحدهما استماع حديث الأعراب. والأمر الآخر احتجاج متنازعين في الكلام، وهما لا يحسنان منه شيئا؛ فإنّهما يثيران من غريب الطّيب ما يضحك كلّ ثكلان وإن تشدّد، وكلّ غضبان وإن أحرقه لهيب الغضب. ولو أنّ ذلك لا يحلّ لكان في باب اللهو والضّحك والسّرور والبطالة والتشاغل، ما يجوز في كلّ فنّ.
وسنذكر من هذا الشكل عللا، ونورد عليك من احتجاجات الأغبياء حججا. فإن كنت ممّن يستعمل الملالة، وتعجل إليه السآمة، كان هذا الباب تنشيطا لقلبك، وجماما لقوّتك. ولنبتدئ النّظر في باب الحمام وقد ذهب عنك الكلال وحدث النشاط.
وإن كنت صاحب علم وجدّ، وكنت ممرّنا موقّحا، وكنت إلف تفكير وتنقير، ودراسة كتب، وحلف تبيّن، وكان ذلك عادة لك لم يضرك مكانه من الكتاب، وتخطّيه إلى ما هو أولى بك.
وعلى أنّي قد عزمت- والله الموفّق- أنّي أوشّح هذا الكتاب وأفصّل أبوابه،