والديك له عدّة أصوات بالنّهار لا يغادر منها شيئا، ولتلك أوقات لا يحتاج فيها النّاس إليه.
وملوكنا وعلماؤنا يستعملون بالنّهار الأسطرلابات، وبالليل البنكامات، ولهم بالنّهار سوى الأسطرلابات خطوط وظل يعرفون به ما مضى من النهار وما بقي.
ورأيناهم يتفقّدون المطالع والمجاري. ورأينا أصحاب البساتين وكلّ من كان بقرب الرّياض، يعرفون ذلك بريح الأزهار. ورأينا الرّوم ونصارى القرى يعرفون ذلك بحركات الخنازير وببكورها وغدوّها وأصواتها، ولذلك قالوا في وصف الرجل: له وثبة الأسد، وروغان الثعلب، وانسلاب الذّئب «1» وجمع الذرّة وبكور الخنزير. والرّاعي يعرف ذلك في بكور الإبل وفي حنينها وغير ذلك من أمرها.
وللحمام أوقات صياح ودعاء مع الصّبح وقبيل ذلك على نسق واحد، ولكنّ النّاس إنّما ذكروا ذلك في الدّيك والحمار، لامتداد أصواتهما.
وهديل الحمام ودعاؤه لا يجوز بعيدا، إلّا ما كان من الوراشين «2» والفواخت في رؤوس النّخل وأعالي الأشجار، فلعمري إنّ ذلك لما يسمع من موضع صالح البعد.
وللعصافير والخطاطيف وعامّة الطّير، ممّا يصير أو يصرصر «3» ، ومما يهدل مع الفجر إلى بعيد ذلك- صياح كثير. ثمّ الذي لا يدع الصّياح في الأسحار مع الصبح أبدا الضّوع «4» ، والصّدى «5» ، والهامة، والبومة وهذا الشّكل من الطّير. وقد كتبنا في غير هذا الموضع الأشعار في ذلك «6» .