وكان بين عقل زبيد بن حميد إذا شرب عشرة أرطال، وبين عقله إذا ابتدأ الشرب، مقدار صالح.
وإمّا العمّيّ فإنّ بني عبد الملك الزياديّين دعوني مرّة ليعجّبوني منه، ولم ينبّهوني على هذه الخاصّة التي فيه، لأكون أنا الذي أنتبه عليه، فدخلت على رجل ضخم فدم «1» غليظ اللسان، غليظ المعاني، عليه من الكلام أشل المؤنة، وفي معانيه اختلاف، ليس منها شيء يواتي صاحبه ولا يعاونه ولا يشاركه ولا يناسبه، وحتّى ترى أنّ أذنه في شقّ ولسانه في شقّ، وحتّى تظنّ أنّ كلامه كلام محموم أو مجنون، وأنّ كلّ واحد منهما يقطع نظام المعاني، ويخلط بين الأسافل والأعالي. فشرب القوم شرب الهيم «2» ، وكانت لهم أجساد مدبرة، وأجواف منكرة، وكنت كأنّي رجل من النّظّارة. فما زال العمّيّ يشرب رطلا، ويرقّ لسانه، وينحلّ عقده «3» ، ويصفو ذهنه، ويذهب كدره. ولو قلت إنّي لم أر مثله حسن نفس كنت صادقا. فالتفت إليّ القوم أجمعهم فقالوا: لولا هذا العجب ما عجّبناك اليوم مع حداثة عهدنا بك.
وزعم العمّيّ وكان كثير المنازعة عند القضاة، أنّه كان إذا قارب العشرة الأرطال ثمّ نازع الخصوم، كان ذلك اليوم الذي يفوت فيه ذرع الخصوم «4» للحن بحجّته «5» ، ويستميل فيه رأي القاضي المنعقد في مجلسه الطويل، القطوب في وجه من نازع إليه.
وقال الشاعر: [من الطويل]
وجدت أقلّ النّاس عقلا إذا انتشى ... أقلّهم عقلا إذا كان صاحيا «6»
تزيد حسى الكاس السّفيه سفاهة ... وتترك أخلاق الرّجال كما هيا «7»
قال: وهذا شعر بعض المولّدين، والأعاريب لا تخطئ هذا الخطأ؛ قد رأينا أسفه الناس صاحيا أحلم الناس سكران؛ وهو مرداس صاحب زهير، ورأينا أحسن