في أدب، ولا في اعتدال من الأخلاط، والصحّة من المزاج، ثمّ لا يعرض من ذلك إلّا ما لا حيلة له فيه، كما كان يعرض لبشر بن أبي عمرو بن العلاء النحويّ المازنيّ وكما عرض لعبد الرحمن ومنصور الأسدّيين، فما زالا كذلك حتّى ماتا، ولم يبلغنا أنهما صرعا.
والموتة «1» جنس من الصّرع، إلّا أنّ صاحبه إذا أفاق عاد إلى كمال عقله كالنائم والسكران والمغشيّ عليه، وإن عاش صاحب الموتة في ذلك مائة عام.
وليس يلقى شيء من الحيوان في هذا الباب كما يلقى الورشان.
وأمّا السّكر فليس شيء من الحيوان إلّا وهو يسكر، واختلاف سكره كاختلاف سكر الإنسان، فإنّ من الناس من تراه يتحدّث وهو يشرب فلا تنكر منه شيئا، حتّى يغلب عليه نوم السّكر ضربة واحدة، ومنهم من تراه والنبيذ يأخذ منه الأوّل فالأوّل، وتراه كيف تثقل حركته، ويغلظ حسّه ويتمحّق، حتى يطيش عليه السّكر بالعبث، ويطبق عليه النوم. ومنهم من يأخذه بالعبث لا يعدوه. ومنهم من لا يرضى بدون السّيف، وإلا بأن يضرب أمّه ويطلّق امرأته. ومنهم من يعتريه البكاء، ومنهم من يعتريه الضّحك، ومنهم من يعتريه الملق والتّفدية، والتّسليم على المجالس، والتّقبيل لرؤوس الناس، ومنهم من يرقص ويثب، ويكون ذلك على ضربين: أحدهما من العرض «2» وفضل الأشر «3» ، والآخر تحريك المرارة، وهي علّة الفساد وهيجان الآفة.
وكلّ هذه الحالات والصّور، والعنوت، والأجناس، والتوليد، الذي يختلف في طبائع الناس، وطبائع الأشربة؛ وطبائع البلدان والأزمان والأسنان، وعلى قدر الأعراق والأخلاق، وعلى قدر القلّة والكثرة، وعلى قدر التصريف والتوفيق، قد وجدوه في جميع أصناف الناس والحيوان، إلّا أنّ في الناس واحدة لم توجد في سائر الحيوان قط، فإنّ في الناس من لا يسكر البتّة، كان [منهم] محمد بن الجهم وأبو عبد الله العمّيّ.