كالبرذون والبرذون، والبعير والبعير، والحمار والحمار، وكذلك جميع الأجناس، فأمّا الذي يفرط ويتمّ ذلك فيه، ويتمنّع ناس من النّاس، ويقع فيه القمار، ويتّخذ لذلك، وينفق عليه، ويغالى به، فالكلب والكلب، والكبش والكبش، والدّيك والدّيك، والسّمانى والسّمانى «1» .
فأمّا الجرذ فإنّه لا يقاتل الجرذ حتّى يشدّ رجل أحدهما في طرف خيط، ويشدّ الجرذ الآخر بالطرف الآخر، ويكون بينهما من السماواة والالتقاء، والعضّ والخمش، وإراقة الدّم وفري الجلود، ما لا يكون بين شيئين من الأنواع التي يهارش بها.
والذي يحدث للجرذان طبيعة القتال، الرّباط نفسه، فإن انقطع الخيط وانحلّ العقد، أخذ هذا شرقا وهذا غربا، ولم يلتقيا أبدا.
وإذا تقابلت جحرة «2» الفأر، وخلالها الموضع، فبينها شرّ طويل، ولكنه لا يعدو الوعيد والصخب، ولا يلتقي منهما اثنان أبدا ...
وحدّثني ثمامة بن أشرس قال: كان بقي في الحبس جحر فأر، وتلقاءه جحر آخر، فيرى لكلّ واحد منهما وعيدا وصياحا ووثوبا، حتّى يظنّ أنّهما سيلتقيان ثم لا يحتجزان حتّى يقتل كلّ واحد منهما صاحبه. فبينا كلّ واحد منهما في غاية الوعيد. إذ مرّ هاربا حتّى دخل جحره، فما زالا كذلك، حتّى أتى الله تعالى بالفرج وخلّي سبيلي.
وزعم أنّ السّلوقيّة الطويلة المناخر أجود شمّا، والشمّ العجيب والحسّ اللطيف من ذلك، إلّا أنّ ذلك في طلب الذكور للإناث والإناث للذّكور خاصة. وأمّا شمّ المأكول، واسترواح الطّعم، فللسّباع في ذلك ما ليس لغيرها. وإنّ الفأر ليشمّ، وإنّ الذّر والنمل ليشمّ، وإنّ السنانير لتشمّ، وكذلك الكلب، وله في ذلك فضيلة، ولا يبلغ ما يبلغ الذئب وقال أعرابيّ: [من الرجز]
كان أبو الصّحيم من أربابها ... صبّ عليه الله من ذئابها
أطلس لا ينحاش من كلابها ... يلتهم الطائر في ذهابها
في الجرية الأولى فلا مشى بها
ألا تراه يجتهد في الدّعاء عليها بذئب لا ينحاش من الكلاب.