في المجلس، وحيث يدعه ربّ المجلس صيانة له وإبقاء عليه- إلّا أن يتصدّر فيه من لايجوز إلّا أن يكون صدرا، فلا يقصّر الكلب دون أن يرقى عليه.
وقد كان في حجج معاوية في اتخاذ المقصورة بعد ضرب البرك إيّاه بالسيف، أنّه أبصر كلبا على منبره.
هذا على ما طبع عليه من إكرام الرّجل الجميل اللباس، حتّى لا ينبح عليه إن دنا من باب أهله، مع الوثوب على كل أسود، وعلى كلّ رثّ الهيئة، وعلى كلّ سفيه تشبه حاله حال أهل الرّيبة.
ومن كبره وشدّة تجبّره، وفرط حميّته «1» وأنفته واحتقاره. أنه متى نبح على رجل في الليل، ولم يمنعه حارس ولم يمكنه الفوت، فدواؤه عند الرجل أنه لا ينجيه منه إلّا أن يقعد بين يديه مستخزيا مستسلما، وأنّه إذا رآه في تلك الحال دنا منه فشغر «2» عليه؛ ولم يهجه، كأنّه حين ظفر به، ورآه تحت قدرته، رأى أن يسمه بميسم ذلّ، كما كانت العرب تجزّ نواصي الأسرى من الفرسان، إذا رامت أن تخلّي سبيلها وتمنّ عليها، ولو كفّ العربيّ عن جزّ ناصيته، لوسمه الأسير من الشّعر والقوافي الخالدات البواقي، التي هي أبقى من الميسم، بما هو أضرّ عليه من جزّ ناصيته، ولعلّه لا يبلغ أهله حتّى تستوي مع سائر شعر رأسه، ولكنّ ذلّ الجزّ لا يزال يلوح في وجهه، ولا يزال له أثر في قلبه.
وذكر أنّ مطرّف بن عبد الله كان يكره أن يقال للكلب اخسأ، وما أشبه ذلك، وفي دعائه على أصحاب الكلب الذي كان أربابه لا يمنعونه من دخول مصلّاه، قال:
اللهمّ امنعهم بركة صيده!! دليل على حسن رأيه فيه.
قالوا: ومرّ المسيح بن مريم في الحواريّين بجيفة كلب، فقال بعضهم: ما أشدّ نتن ريحه! قال: فهلّا قلت: ما أشدّ بياض أسنانه!! قالوا: وقال رجل لكلب: اخسأ، ويلك! فقال همّام بن الحارث: الويل لأهل النّار.
والهراش الذي يجري بينها وهو شرّ، يكون بين جميع الأجناس المتّفقة،