فإذا كلب من الغيظ والغضب فأدرك ثأره فذلك هو الشفاء من الكلب، وليس أنّ هناك دما في الحقيقة يشرب ولولا قول عاصم بن القرّيّة: «والنّطاسيّ واقف» . لكان ذلك التأويل جائزا.
وقول عوف بن الأحوص: [من الوافر]
ولا العنقاء ثعلبة بن عمرو ... دماء القوم للكلبى شفاء «1»
وفي الكلب يقول الأعشى: [من الطويل]
أراني وعمرا بيننا دقّ منشم ... فلم يبق إلّا أن يجنّ وأكلبا «2»
ألا ترى أنّه فرّق بينهما، ولو كان كما قال لبيد بن ربيعة: [من البسيط]
يسعى خزيمة في قوم ليهلكهم ... على الحمالة هل بالمرء من كلب «3»
لكان ذلك على تأويل ما ذهبوا إليه جائزا، وقال الآخر: [من الطويل]
وأمر أميري قد أطعتم فإنّما ... كواه بنار بين عينيه مكلب «4»
وهذا عندي لا يدخل في الباب الأوّل، وقد جعلوه منه.
قال صاحب الكلب: وزعمتم أنّه يبلغ من فضل قوّة طباع الدّيك في الإلقاح، أنّه متى سفد دجاجة وقد احتشت بيضا صغارا من نتاج الرّيح والتراب، قلبها كلّها حيوانا ولو لم يكن سفدها إلّا مرّة واحدة، وجعلتموه في ذلك بغاية الفحلة، فطباع الكلب أعجب إلقاحا وأثقب، وأقوى وأبعد، لأنّ الكلب إذا عضّ إنسانا، فأوّل ذلك أن يحيله نبّاحا مثله، وينقله إلى طباعه، فصار ينبح، ثم يحبله ويلقحه بأجراء صغار يبولها علقا في صور الكلاب، على بعد ما بين العنصرين والطّبعين والجنسين، والذى يتولّد في أرحام الدجاج، أقرب مشاكلة إلى طباع الديك، فالكلب هو العجب العجيب، لأنّه أحبل ذكرا من خلاف جنسه، ولأنّه مع الإحبال والإلقاح، أحاله نبّاحا