والتعرّض، والتّحكك والتهييج والتحريش، فلو أنّ الذي يأتي صبيانكم إلى الكلب، من الإلحاح بأصناف العبث- والصّبيان أقسى الخلق وأقلّهم رحمة- أنزلوه بالأحنف ابن قيس، وقيس بن عاصم، بل بحاجب بن زرارة وحصن بن حذيفة، لخرجوا إلى أقبح ممّا يخرج إليه الكلب. ومن ترك منهم الأخذ فوق يد ابنه، فهو أحقّ باللائمة.
وبعد فما وجدنا كلبا وثب على صبيّ فعقره من تلقاء نفسه، وإنّه ليتردّد عليه وهو في المهد، وهو لحم على وضم، فلا يشمّه ولا يدنو منه. وهو أكثر خلق الله تعالى تشمّما واسترواحا؛ وما في الأرض كلب يلقى كلبا غريبا إلّا شمّ كلّ واحد منهما است صاحبه، ولا في الأرض مجوسيّ يموت فيحزن على موته ويحمل إلى الناووس إلّا بعد أن يدنى منه كلب يشمّه، فإنّه لا يخفى عليه في شمّه عندهم، أحي هو أم ميّت؛ للطافة حسّه، وأنّه لا يأكل الأحياء. فأمّا اليهود فإنّهم يتعرّفون ذلك من الميّت، بأن يدهنوا استه. ولذلك قال الشاعر وهو يرمي ناسا بدين اليهودية: [من الطويل]
إذا مات منهم ميّت مسحوا استه ... بدهن وحفّوا حوله بقرام «1»
وقالوا: فإذا ذكرتم جنايات الكلاب، فواحد من جنايات الدّيكة أعظم من جنايات الكلاب؛ لأنّ عبد الله بن عثمان بن عفّان، ابن بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، إنّما مات من نقر ديك في دار عثمان، نقر عينه فكان سبب موته «2» . فقتل الديك لعترة رسول الله صلى الله عليه وسلم، أعظم من كثير ممّا تستعظمونه من جنايات الكلاب.
وقد نقر ديك عين ابن حسكة بن عتّاب، أو عين ابن أخته.
وقد نقر ديك عين ابن الريان بن أبي المسيح وهو في المهد فاعورّ، ثمّ ضربته الحمرة فمات.
ووثب ديك فطعن بصيصته عين بنت لثمامة بن أشرس، قال ثمامة: فأتاني الصّريخ، فو الله ما وصلت إليها حتى كمد وجهها كلّه واسودّ الأنف والوجنتان وغارت العينان. وكان شأن هذا الديك- فيما زعم ثمامة- عجبا من العجب: ذكر أنّ رجلا ذكر أنّ ديكا عند بقّال لهم، يقاتل به الكلاب، قال: فأتيت البقّال الذي