قال: فالكلاب كما ترى تتّهم بالنساء، وينيكها الرجال، وتنيك الرجال، وليس شيء أحقّ بالنفي والإغراب والإطراد وبالقتل منها. ونحن من السباع العادية الوحشيّة في راحة، إلّا في الفرط «1» فإنّ لها عراما على بعض الماشية، وجناية على شرار العامّة وكذلك البهائم. وما عسى أن يبلغ من وطء بعير ونطح كبش، أو خمش سنّور أو رمح حمار، ولعلّ ذلك يكون في الدهر المرّة والمرّتين، ولعلّ ذلك أيضا لا ينال إلّا عبداً أو خادما أو سائسا، وذلك محتمل. فالكلاب مع هذه الآفات شركاء الناس في دورهم وأهاليهم!! قال صاحب الكلب: إن كنتم إلى الأذى بالسّلاح تذهبون، وإلى قشر طين السطوح بالبراثن تميلون، وإلى نتن السّلاح وقذر المأكول والمشروب تقصدون، فالسّنّور أكثر في ذلك. وقد رويتم عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك أنّه قال: «هنّ من الطّوّافات عليكم» «2» . فإذا كان ذلك في السنانير مغتفرا، لانتفاعهم بها في أكل الفأر، فمنافع الكلاب أكثر، وهي بالاعتقاد أحقّ. وفي إطلاق ذلك في السنّور دليل على أنّه في الكلاب أجوز.
وأمّا ما ذكرتم من إنعاظه، فلعمري إنّه ما ينبغي للغيور أن يقيم الفرس ولا البرذون والبغل والحمار والتّيس في المواضع التي تراها النساء. والكلب في ذلك أحسن حالا. وقد كره ناس إدخال منازلهم الحمام والدّيكة والدجاج والبطّ خاصة؛ لأنّ له عند السفاد قضيبا يظهر، وكذلك التيس من الظباء، فضلا عن تيوس الصفايا. فهذا المعنى الذي ذكرتم يجري في وجوه كثيرة وعلى أنّ للحمام خاصّة من الاستشارة «3» ، والكسم بالذئب، والتقبيل الذي ليس للناس مثله، ثمّ التقبيل والتغزّل والتّنفّش، والابتهاج بما يكون منه بعد الفراغ، وركوب الأنثى للذكر وعدم إمكانها لغير ذكرها، ما يكون أهيج للنساء ممّا ذكرتم. فلم أفردتم الكلب بالذّكر دون هذه الأمور، التي إذا عاينت المرأة غرمول واحد منها، حقرت بعلها أو سيّدها، ولم يزل ظلّ ذلك الغرمول يعارضها في النوم، وينبّهها ساعة الغفلة، ويحدث لها التمنّي لما لا تقدر عليه، والاحتقار لما تقدر عليه، وتركتم ذكر ما هو أجلّ وأعظم إلى ما هو أخسّ وأصغر؟! فإن كنتم تذهبون في التشنيع عليه إلى ما يعقر من الصبيان عند العبث