عنده فسألته عن الديك، فزعم أنّه قد وجّه به إلى قتال الكلاب، وقد تراهنوا في ذلك.
فلم أبرح حتّى اشتريته؛ وكنت أصونه وجعلته في مكنّة، فخرجت يوما لبعض مصلحة وأقبلت بنتي هذه لتنظر إليه، فكان هذا جزائي منه! قال: وديك آخر أقبل إلى رأس زيد بن علي، حتّى وطئ في ذؤابته ثمّ أقبل ينقر دماغه وعينيه. فقال رجل من قريش، لمن حضر ذلك من الخدم: [من الخفيف]
اطردوا الديك عن ذؤابة زيد ... طالما كان لا تطاه الدّجاج «1»
والكلب إن كان كما يقول، فإنّ له يدا تشجّ وأخرى تأسو، بل ما يدفع الله بحراسته ويجلب من المنافع بصيده أكثر وأغمر، وهو الغامر لا المغمور، والفاضل لا المفضول. والديك يفقأ العيون وينقر الأدمغة ويقتل الأنفس، ويشجّ ولا يأسو؛ فشرّه صرف وخيره ممزوج. إلّا أن يزعموا أنّه يحرس من الشيطان، فيكون هذا من القول الذي يحتاج إلى البرهان. ومن عارض منافع الكلاب وحراستها أموال الناس من اللصوص، ومنع السّباع من الماشية، وموضع نفع الكلب في المزارع- وذلك عيان ونفعه عامّ وخطبه عظيم- بما يدّعى من حراسة الدّيكة للشيطان، لم يكايل ولم يوازن ولم يعرف المقايسة، ولا وقف قطّ على معنى المقابلة ودلّ بذلك على أنّ مبلغ رأيه لا يجوز رأي النساء.
ويكون العواء للكلب والذئب والفصيل. وقال النابغة: [من الوافر]
ألم أك جاركم فتركتموني ... لكلبي في دياركم عواء «2»
وقال الشاعر: [من الطويل]
وإنّي امرؤ لا تقشعرّ ذؤابتي ... من الذئب يعوي والغراب المحجّل «3»
وقال الشاعر: [من الطويل]
ومستنبح تستكشط الرّيح ثوبه ... ليسقط عنه وهو بالثّوب معصم «4»