فإذا طلب من إحدى هذه الحفائر نافق، أي فخرج النّافقاء، وإن طلب من النافقاء قصّع. ويقال: أنفقته إنفاقا: إذا صاح به حتى يخرج. ونفق هو: إذا خرج من النافقاء.
وفي احتيال اليرابيع بالنافقاء، والقاصعاء، والدّمّاء والرّاهطاء، وفي جمعها التراب على نفس باب الجحر، وفي تقدمها بالحيلة والحراسة، وفي تغليطها لمن أرادها، والتّورية بشيء عن شيء، وفي معرفتها بباب الخديعة، وكيف توهم عدوّها خلاف ما هي عليه، ثم في وطئها على زمعاتها [1] ، في السهولة وفي الأرض اللينة، كي لا يعرف أثرها الذي يقتصّه [2] ، وفي استعمالها واستعمال بعض ما يقاربها في الحيلة التوبير- والتوبير: الوطء على مآخير أكفّها- العجب العجيب.
وزعم أبو عقيل بن درست، وشدّاد الحارثيّ، وحسين الزهريّ أن الزباء الروميّة إنما عملت تلك الأنفاق التي ذكرها الشاعر فقال [3] : [من الوافر]
أقام لها على الأنفاق عمرو ... ولم تشعر بأنّ لها كمينا
على تدبير اليرابيع في محافيرها هذه، ومخارجها التي أعدّتها ومداخلها، وعلى قدر ما يفجؤها من الأمر.
وأن أهل تبّت والرّوم، إنما استخرجوا الاحتيال بالأنفاق والمطامير والمخارق على تدبير اليرابيع.
وإنما سمّى الله عزّ وجلّ الكافر في باطنه المورّي بالإيمان، والمستتر بخلاف ما يسرّ- بالمنافق، على النافقاء والقاصعاء، وعلى تدبير اليربوع في التورية بشيء عن شيء. قال الشاعر [4] : [من الوافر]
إذا الشيطان قصّع في قفاها ... تنفقّناه بالحبل التّؤام