فبالرغم من إدراكي، أن الحديث عن حروب صليبية في هذا العصر، يعتبر أمراً مستهجناً لدى البعض، إلا أنني سأستمر في محاولة إبراز هذا الدور الذي يلعبه الدين في السياسة الأمريكية، انطلاقاً من إيماني أن الدين ـ كان ولا يزال ـ هو الملهم والمحرك الأساسي لكافة الأفعال البشرية. فكما يقول المؤرخ الإغريقي (بلوكارل): قد وجدت في التاريخ مدن بلا حصون، ومدن بلا قصور ... ومدن بلا مدارس ... ولكن لم توجد أبداً مدن بلا معابد.
من الأخطاء الشائعة لدى معظم المفكرين والمثقفين العرب والمسلمين، اعتقادهم بلادينية الحضارة الغربية، قياساً على الإفرازات الأخلاقية والفكرية لهذه الحضارة، التي تفصل بين الدين والدولة. وهذا الاعتقاد خاطئ وربما يصدق على بعض الدول الغربية، ولكنه لا يصدق عليها كلها. فهو يصدق على الدول الكاثوليكية مثل إيطاليا وفرنسا وأسبانيا، ولكنه لا يصدق على الدول البروتستانية مثل بريطانيا وأمريكيا.
فالدول الكاثوليكية قبل أن تأخذ بمبدأ فصل الدين عن الدولة، كانت تخضع لسلطة البابا، وكان لزاماً عليها إطاعة أوامره، حيث بلغت سلطة البابا في ذلك الحين شأواً عظيماً. فقد كان البابا يدعى حق السيطرة الدينية والدنيوية على كل شيء، وكانت الكنيسة تفرض ضريبة الأعشار على إتباعها وتجمع التبرعات وتضمها لمواردها الخاصة، فضلاً عن إعفاء أملاكها من الضرائب. وكان للبابا نواب يمثلونه لدى كافة الملوك والأمراء في أوروبا (?). ولكن عندما تأثرت هذه الدول بأفكار عصر التنوير وبحركة الإصلاح الديني، قامت بفصل السلطة الدينية عن السلطة الزمنية، بحيث لم يعد للبابا أي سلطان عليها. ولكن هذا الدول عندما فعلت ذلك فإنها خالفت قرارات المجامع المسكونية، التي اعتبرت كل المسيحيين بمن فيهم الحكام خاضعين