الفصل الأول
الدين والدولة
قد يبدو القول بوجود دور قوى وفعال للدين في العملية السياسة، وفي الحياة العملية في بلد صناعي متقدم كالولايات المتحدة، في أواخر القرن العشرين، في أسوأ الحالات، كتقول وادعاء، وفي أقلها سوءاً، كإسقاط لأفكار مسبقة عن تأثير الغيبيات ... غير أن ذلك يسقط من الاعتبار الحقيقة الماثلة في أن قادة المجتمع الأمريكي السياسيين والروحانيين على السواء، عنوا بأن يتخذوا مواقفهم منذ نشأة جمهوريتهم وحتى الآن، على قمة متاحة من الأرض الأخلاقية العالية، مستمدين باستمرار السند والمبرر لكل تصرف أمريكي في شؤون أمريكا والعالم من الدين والأخلاقيات العليا، ومن المصطلحات ذات الرنين الأخلاقي القوى، كـ (الحقوق الإنسانية)، و (القانون الدولي)، و (الحضارة) وما أشبه، ومسبغين على أنفسهم وعلى بلدهم عباءة الاضطلاع بعبء رسالة حملت العناية الإلهية ذاتها لا أقل، الأمة الأمريكية بها لصالح البشر جميعاً (?).
وعندما قمت في عام 1993م بنشر دراسة بعنوان (الصليبيون الجدد .. الحملة الثامنة) في جريدة القدس في فلسطين، والتي تحولت فيما بعد إلى كتاب يحمل نفس العنوان ـ نشر في كل من فلسطين ومصر، محاولاً إبراز الأبعاد الدينية للتحيز الأمريكي البريطاني لإسرائيل ـ استغرب في حينه كثير من الأصدقاء هذه التسمية، اعتقاداً منهم أن العصر الذي نعيش فيه لم يعد به مجال للحروب الصليبية، والعداوات الدينية، ولكنهم بعد قراءة الكتاب والأمثلة العديدة التي وردت فيه لتأكيد هذا البعد، هالهم ضخامة الدور الذي يلعبه الدين في رسم سياسة وتوجهات أكبر دولة في العالم، تجاه المنطقة العربية والعالم الإسلامي (?).