سَأَمضي لِلَّذي قالوا بعزْمٍ ... ولا أبْغي لذلكم قِدَاحَا

أَسَأْتُ الظنَّ فيه ومن أساهُ ... بكلِّ النَّاسِ قَد لاَقَى نَجَاحَا!

وقد تأتي إلى المرء المنايا ... بأثءواب الأمان سُدًى صُرَاحَا

سَيُبْقى حكُم هذَا الدَّهرِ قوماً ... ويَهْلِك آخرون به ذُبَاحَا!

أَثعلبةَ بنَ عمرٍو ليس هذا ... أوانُ السَّيْر فاعتدَّ السِّلاَحَا!

ألم تعلَم بأنْ الذّلَّ مَوْتٌ ... يُتِحُ لِمَنْ ألمَّ بِه اجْتِيَاحَا؟

ولا يَبْقَى نعِيمُ الدّهر إلاّ ... لِقرْم ماجِدٍ صَدَق الكفاحَا!

ونحن نفسر الشعرين جميعا، ونذكر ما فيهما من الغريب.

فمعنى حضات: أشعلت، وأوقدت، ويقال للعود الذي تحرك به النار محضأ على وزن مفعل.

والوهن: والموهن - نحو من نصف الليل.

وترحيل - الراحلة: إزالة الرحل عن ظهرها، والرحل للإبل: كالسرج للخيل، والراحلة: التي تتخذ للركوب والسفر، سميت بذلك، لأنها ترحل براكبها، ومعنى أكالؤها: أحرسها وأحفظها، لأن لا تنام.

وكان المفضل يروى وعير بالراء، وقال: العير إنسان العين، ومنه قبل في المثل: لقيته قبل عير وما جرى، أي قبل أن ينتبه منتبه من نومه، ويقلب عير عينيه، وما مع جرى: في تقدير المصدر، فكأنه قال: قبل عير وجريه: ويروى:

أَتَوا نَارِي فَقُلتُ مَنُونَ؟ قالوا: ... سَراةُ الْجنِّ، قلتُ: عِمُوا ظَلاما

وسراة الجن: أشرافهم، واحدهم سري، وارتفاعهم على خبر المبتدأ المضمر، كأنه قال: نحن سراة الجن.

ومعنى عموا: أنعموا، يقال: عم صباحا، وعم صباحا بكسر العين وفتحها، ويقال وعم بعم، على مثال: وعد بعد، ووعم - بكسر العين - يعم، على مثال: ومق يمق.

وذهب قوم إلى أن يعم محذوف من ينعم، وقالوا: إذا قيل يعم بفتح العين فهو محذوف من ينعم المفتوح العين.

وإذا قيل: يعم - بكسر العين - فهو محذوف من ينعم مكسور العين.

وحكى يونس، أن أبا عمرو بن العلاء سئل عن قول عنترة:

يا دار عَبلةَ بالجواء تكلّمي ... وعِمَي صَبَاحاً دارَ عَبلَةَ واسلَمِي

فقال هو: من نعم المطر، إذا كثر، ونعم البحر إذا كثر زبده كأنه يدعو لها بالسقيا وكثرة الخير.

وقال الأصمعي، والفراء في قولهم: عم صباحا: إنما هو دعاء بالنعيم والهل، وهذا هو المعروف، وما حكاه يونس نادر غريب!.

وظلاما ينتصب على وجهين.

أحدهما: الظرف، كأنه قال: انعموا في ظلامكم.

والثاني: على التمييز المنقول عما كان في أصله فاعلا، ثم نقل الفعل منه إلى غيره فنصب، كأن أصله: لينعم ظلامكم، ثم نقل الفعل عن الظلام إليهم، وهذا من باب: " واشتعل الرأس شيباً " وتفقأت شحماً.

فإن قيل كيف جاز أن يقول لهم: عموا صباحا، وهم في الليل، وإنما يليق هذا الدعاء لمن يلقى في الصباح دون المساء؟ فالجواب عن هذا من وجهين: أحدهما: أن الرجل إذا قيل له: عم صباحاً، فليس المراد أن ينعم في الصباح دون المساء، كما أنه إذا قيل: أرغم الله أنفه، وحيا الله وجهه، فليس المراد به الوجه والأنف، دون سائر الجسد، وكذلك إذا قيل: أعلى الله كعبك، وإنما هي ألفاظ ظاهرها الخصوص، ومعناها العموم، ومثله قول الأعشي:

الواطئون على صُدور نِعَالهم ... يَمْشُون في الرَّقمِيّ والأبْرَادِ

والْوطء لا يكون على صدور النعال دون سائرها.

والوجه الثاني: أن يكون معنى أنعم الله صباحك: أطلع الله عليك كل صباح بالنعيم، لأن الصباح والظلام نوعان، والنوع يسمى كل جزء منه بما تسمى به جملته.

وقوله: فقلت إلى الطعام: إلى متعلقة بفعلٍ محذوف، وهو في حكم الظاهر؛ فلذلك لم يكن له موضع من الإعراب، كأنه قال: هلموا إلى الطعام.

وأما منهم: فموضعه نصب على الحال، تقديره: فقال زعيم الجن منهم، فلو كان هكذا لكان المجرور في موضع الصفة لزعيم، فلما قدم صفة النكرة عليها صارت حالا.

وقوله: تحسد في موضع الصفة لزعيم وزعيم القوم رئيسهم، والزعامة: الرياسة، قال لبيد:

تطير عدائد اْلأَشْراك شَفْعاً ... وَوِتْرا والزَّعَامَةُ لِلْغُلاَمِ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015