والعوراء: الكلمة القبيحة، يقال عورت الرجل، إذا قبحته، قال طرفة:

وعوْراءَ جاءتْ من أخ فرددتها ... بسالمةِ العينين طالبةٍ عُذْرَا

وهذا من إحكام صنعة الشعر: ومقابلة الألفاظ بما يشاكلها، ويتمم معانيها، وذلك أنه لما كان القبيح شبيه بالأعور العينين، سمي ضده بسالم العينين، ويشبه هذا في تتميم المعاني بما يليق بها؛ قول الأخطل، يهجو يربوع ابن حنظلة:

تسدُّ القاصعاء عَلَيْكَ حتَّى ... تُنَفِّقَ أو تموت بها هزالا

لما كان المهجو بهذا المعنى يسمى يربوعاً أتم المعنى، فاستعار له قاصعاء ونافقاء، ونظيره أيضاً قوله في قصيدة أخرى:

سمْونَا بِعِرْنِين أشمّ وعارضٍ ... لنَمْنَع ما بَين العراقِ إلى البِشْر

وإنما جرت العادة أن ينسب الشمم والعرنين إلى الأنف فيقال: شمم بأنفه، فلما احتاج إلى زيادة عضو آخر زاد العارض؛ إذ العارض يقرب من العرنين، ولأنه قد يقال: لهمزة يلهزه، إذا وكزه في لهزمته، فنسب اللهز إلى العارض لقربه من العرنين كما ينسب الرغم إلى الأنف، ومثل هذا لا يتنبه له إلا الحاذق العارف بمقاطع الكلام، ومن هذا النوع قول المعري.

جَلا فَرّقَدَيْهِ قَبْل نُوحٍ وآدمٍ ... إلى الْيَوْمِ لم يُدعيا في الْقَراهِب

لما كان الفرقد الذي هو الكوكب، قد وافق الفرقد، الذي هو ولد البقرة الوحشية في الاسم وكان ولد البقرة إذا طال عليه الزمان زال عنه اسم الفرقد سمي قرهباً، وهو الثور المسن: استعار ذلك للكوكب تشبيها وتتميما للمعنى، وإجادة للصنعة، والمعنى!.

وبعد بيت حاتم:

وَلاَ أَخْذُل الموْلَى وإنْ كانَ خَذِلاً ... ولا أشتُمُ ابْنَ الْعَمِّ إن كَانَ مغرَما

ولا زَادَنِي عنه غِنَايَ تَبَاعُدا ... وإن كَانَ ذا نقص من المال مُصْرَمَا

أَهُنْ للذي يَهْوَى التّلاد فإنّه ... يكونُ إذَا ما مِتُّلا نَهْباً مُقْسَمَا

ولا تَشقَينْ فيه فيَسَعَدَ وارثٌ ... بِه حِينَ تَغْشَى أَغْبَر اللَّوْنُ مُظْلِما

وشعر حاتم معظمه في الكرم والحض على مكارم الأخلاق والشيم، ومن طريف أخباره أن رجلاً يعرف بأبي خيبري مر بقبره مع أصحاب له، فباتوا قريباً من القبر، فجعل أبو خيبري يقول: يا أبا عدي أقر أضيافك!.

ثم نام، وانتبه مذعوراً يصيح، واراحلتاه، واراحلتاه!!.

فقال له أصحابه: ما شأنك؟ فقال: رأيت في منامي حاتماً قد خرج من قبره، وبيده، سيف مسلول، فعرقب به ناقتي!.

فقاموا إلى راحلته فوجدوها لا تنبعث، ولا تقدر على القيام! فقالوا: والله لقد قراك حاتم، فنحروها، وظلوا يأكلون من لحمها؛ فلما أرادوا أن يمشوا أردفوه!.

فبيناهم كذلك يسيرون إذ طلع عليهم عدي بن حاتم، ومعه جمل أسود قد قرنه إلى بعيره، فقال: إن أبي جاءني في المنام، يذكرني شتمك إياه، وأنه قراك وأصحابك براحلتك، وأمرني أن أدفع إليك عوضها، فخذ هذا الجمل، وأنشد أبياتا:

أَبَا خَيْبَرَي وأنْت امْرؤٌ ... حَسُودُ الْعَشِيرةَ لَوَّامُهَا

أتَيت بصحبك تبغى القِرَى ... لدى جَفْرة قد صَدت هامها

أتَبْغي أذاها وإعْسَارَها ... وحَوْلَكَ طَيُّ وأَنْعَامُها

وأنشد أبو القاسم في باب مواضع من:

فكفى بِنا فَضلاً على مَنْ غَيْرنَا ... حُب النَّبِيِّ مُحمدٍ إيَّانا

هذا البيت: لكعب بن مالك الأنصاري.

وكعب: اسم منقول من كعب الإنسان، والكعب القطعة من السمن، وكعب الرمح: عقدته، قال النابغة:

ولا يُشعِرُ الرُّمْحَ الطويل كعوُبُه

ومالك: اسم منقول أيضاً، وقد تقدم القول فيه.

والباء في قوله بنا زائدة، ولا تتعلق بشيء، والتقدير: فكفانا فضلا. وفضلاً: منصوب على التمييز.

وأنشد أبو القاسم في باب: القول:

أَمَّا الرَّحيلُ فَدُونَ بَعْدَ غَدٍ

فَمَتَى تقولُ: الدَّارُ تَجْمعُنا؟!.

هذا البيت: لعمر بن أبي ربيعة، ويكنى: أبا الخطاب، وقد تقدم كلامنا في اسمه، فأغنى.

وتجمعنا: في موضع نصب على المفعول الثاني، لتقول، وقبله:

قَالَ الخَلَيلُ: غداً تَصَدُّعُنا ... أو شَيْعَهُ فَمَتَى تشَيُّعُنا؟!

أراد بشيعه: اليوم الذي بعده.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015