وَيَقُولُونَ هَؤُلاء شُفَعَاؤُنَا عِندَ اللهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللهَ بِمَا لاَ يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلاَ فِي الأَرْضِ} [يونس: 18] .
فإذا قيل: إنه استثنى الملائكة والأنبياء، كان في هذا إطماع لمن عندهم أن معبوديهم من دون الله تعالى يشفعون لهم، وهذا مما يبين فساد القول المذكور عن قتادة.
فإنه إذا كان المعنى: أن المعبودين لا يشفعون إلا إذا كانوا ملائكة أو أنبياء، كان في هذا إثبات شفاعة المعبودين لمن عبدوهم، إذا كانوا صالحين، والقرآن كله يبطل هذا المعنى؛ ولهذا قال تعالى: {وَكَم مِّن مَّلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لَا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إِلَّا مِن بَعْدِ أَن يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَن يَشَاء وَيَرْضَى} [النجم: 26] ، وقال تعالى: {وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُّكْرَمُونَ لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُم بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى وَهُم مِّنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ} [الأنبياء: 26 28] ، فبين أنهم لا يشفعون إلا لمن ارتضى الرب، فعلم أنه لابد أن يؤذن لهم في من يشفعون فيه، وأنهم لا يؤذن لهم إذن مطلق.
وأيضاً، فإن في القرآن: إذا نفى الشفاعة من دونه نفاها مطلقاً؛ فإن قوله: {مِن دُونِهِ} إما أن يكون متصلا بقوله: {يملكون} أو بقوله: {يَدْعُونَ} أو بهما. فالتقدير: لا يملك الذين يدعونهم الشفاعة من دونه، أو لا يملك الذين يدعونهم من دونه أن يشفعوا. وهذا أظهر؛ لأنه قال: {وَلَا يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِهِ الشَّفَاعَةَ} فأخر {الشَّفَاعَةَ} وقدم {مِن دُونِهِ} .
ومثل هذا كثير في القرآن: " يدعون من دون الله " و " يعبدون من دون