وروى بإسناده عن قتادة {إِلَّا مَن شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} . الملائكة وعيسى وعزير، أي أنهم قد عبدوا من دون الله، ولهم شفاعة عند الله ومنزلة.
قلت: كلا القولين معناه صحيح، لكن التحقيق في تفسير الآية: أن الاستثناء منقطع، ولا يملك أحد من دون الله الشفاعة مطلقاً، لا يستثنى من ذلك أحد عند الله؛ فإنه لم يقل: ولا يشفع أحد، ولا قال: لا يشفع لأحد، بل قال: {وَلَا يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِهِ الشَّفَاعَةَ} وكل من دعى من دون الله لا يملك الشفاعة البتة.
والشفاعة بإذن ليست مختصة بمن عبد من دون الله.
وسيد الشفعاء صلى الله عليه وسلم لم يعبد كما عبد المسيح، وهو مع هذا له شفاعة، ليست لغيره، فلا يحسن أن تثبت الشفاعة لمن دعى من دون الله دون من لم يدع.
فمن جعل الاستثناء متصلا، فإن معنى كلامه: أن من دعى من دون الله تعالى لا يملك الشفاعة، إلا أن يشهد بالحق وهو يعلم، أو لا يشفع إلا لمن شهد بالحق وهو يعلم، ويبقى الذين لم يدعوا من دون الله، لم تذكر شفاعتهم لأحد، وهذا المعنى لا يليق بالقرآن ولا يناسبه، وسبب نزول الآية يبطله أيضاً.
وأيضاً، فقوله: {وَلَا يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِهِ الشَّفَاعَةَ} يتناول كل معبود من دونه، ويدخل في ذلك الأصنام؛ فإنهم كانوا يقولون: هم يشفعون لنا.
قال تعالى: {وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللهِ مَا لاَ يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ