أَمَّا الْمَالِكِيَّةُ فَقَدْ قَالَ صَاحِبُ التَّبْصِرَةِ (?): فَإِنْ عَزَّرَ الْحَاكِمُ أَحَدًا فَمَاتَ أَوْ سَرَى ذَلِكَ إلَى النَّفْسِ فَعَلَى الْعَاقِلَةِ , وَكَذَلِكَ تَحْمِلُ الْعَاقِلَةُ الثُّلُثَ فَأَكْثَرَ , وَفِي عُيُونِ الْمَجَالِسِ لِلْقَاضِي عَبْدِ الْوَهَّابِ إذَا عَزَّرَ الْإِمَامُ إنْسَانًا فَمَاتَ فِي التَّعْزِيرِ لَمْ يَضْمَنْ الْإِمَامُ شَيْئًا لَا دِيَةً وَلَا كَفَّارَةً (?).
وَذَهَبَ الْمُحَقِّقُونَ مِنْ فُقَهَائِهِمْ (?) إلَى أَنَّ عَدَمَ الضَّمَانِ مَبْنِيٌّ عَلَى ظَنِّ السَّلَامَةِ , فَإِنْ شَكَّ فِيهَا ضَمِنَ مَا سَرَى عَلَى نَفْسٍ أَوْ عُضْوٍ , وَإِنْ ظَنَّ عَدَمَ السَّلَامَةِ فَالْقِصَاصُ.
وَالشَّافِعِيُّ يَرَى التَّضْمِينَ فِي التَّعْزِيرِ إذَا حَصَلَ بِهِ هَلَاكٌ , لِأَنَّهُ مَشْرُوطٌ بِسَلَامَةِ الْعَاقِبَةِ وَلَا يُعْفَى مِنْ التَّعْزِيرِ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْهَلَاكُ بِنَحْوِ تَوْبِيخٍ بِكَلَامٍ وَصَفْعٍ فَلَا شَيْءَ فِيهِ وَلَا ضَمَانَ عَلَى مَنْ عَزَّرَ غَيْرَهُ بِإِذْنِهِ (?) , وَلَا عَلَى مَنْ عَزَّرَهُ مُمْتَنِعًا مِنْ أَدَاءِ حَقٍّ عَلَيْهِ , وَإِنْ أَدَّى إلَى قَتْلِهِ (?)، قَالَ الرَّمْلِيُّ: لِلْحَاكِمِ تَعْزِيرُ الْمُمْتَنِعِ مِنْ أَدَاءِ دَيْنٍ عَلَيْهِ بَعْدَ طَلَبِ مُسْتَحِقِّهِ بِحَبْسٍ أَوْ ضَرْبٍ وَإِنْ زَادَ عَلَى التَّعْزِيرِ بَلْ وَإِنْ أَدَّى إلَى مَوْتِهِ لِأَنَّهُ بِحَقٍّ وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ فِيهِ (?).
وَلَا يَكُونُ التَّعْزِيرُ بِمَا يَقْتُلُ غَالِبًا , فَإِنْ ضَرَبَهُ ضَرْبًا يَقْتُلُ غَالِبًا أَوْ بِمَا يَقْتُلُ غَالِبًا أَوْ قَصَدَ قَتْلَهُ وَجَبَ الْقِصَاصُ أَوْ دِيَةٌ مُغَلَّظَةٌ فِي مَالِهِ ... (?).
مِقْدَارُ الضَّمَانِ وَعَلَى مَنْ يَجِبُ (?):
51 - وَحَيْثُ قِيلَ بِوُجُوبِ الضَّمَانِ فَفِي قَدْرِهِ قَوْلَانِ:
الْأَوَّلُ: لُزُومُ كَامِلِ الدِّيَةِ لِأَنَّهُ قَتْلٌ حَصَلَ مِنْ جِهَةِ اللَّهِ وَعُدْوَانِ الضَّارِبِ , فَكَانَ الضَّمَانُ عَلَى الْعَادِي , كَمَا لَوْ ضَرَبَ مَرِيضًا سَوْطًا فَمَاتَ بِهِ , وَلِأَنَّهُ تَلَفٌ بِعُدْوَانٍ وَغَيْرِهِ فَأَشْبَهَ مَا لَوْ أَلْقَى عَلَى سَفِينَةٍ مُوقَرَةٍ حَجَرًا فَغَرَّقَهَا , وَهُوَ قَوْلُ الْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ (?).
وَالثَّانِي: عَلَيْهِ نِصْفُ الضَّمَانِ لِأَنَّهُ تَلَفٌ بِفِعْلٍ مَضْمُونٍ وَغَيْرِ مَضْمُونٍ , فَكَانَ الْوَاجِبُ نِصْفُ الدِّيَةِ كَمَا لَوْ جَرَحَ نَفْسَهُ وَجَرَحَهُ غَيْرُهُ فَمَاتَ وَبِهَذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ (?).