وَقَالَ صَاحِبُ الْمُغْنِي: وَفِي كَسْرِ آنِيَةِ الْخَمْرِ رِوَايَتَانِ.

وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَهِيَ الرِّوَايَةُ الْأُخْرَى عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ إلَى الضَّمَانِ إذَا تَجَاوَزَ الْمُحْتَسِبُ الْقَدْرَ الْمُحْتَاجَ إلَيْهِ. قَالَ صَاحِبُ تُحْفَةِ النَّاظِرِ مِنْ الْمَالِكِيَّةِ: إذَا لَمْ يَقَعْ التَّمَكُّنُ مِنْ إرَاقَةِ الْخَمْرِ إلَّا بِكَسْرِ أَنَابِيبِهَا وَتَحْرِيقِ وِعَائِهَا , فَلَا ضَمَانَ عَلَى مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ عَلَى الْوَجْهِ الْمُتَقَدِّمِ فِي هَذَا النَّوْعِ , وَإِنْ أَمْكَنَ زَوَالُ عَيْنِهَا مَعَ بَقَاءِ الْوِعَاءِ سَلِيمًا وَلَمْ يَخَفْ الْفَاعِلُ مُضَايَقَةً فِي الزَّمَانِ وَلَا فِي الْمَكَانِ بِتَغَلُّبِ فَاعِلِهِ مَعَ انْتِفَاءِ هَذِهِ الْمَوَانِعِ ضَمِنَ قِيمَتَهُ , إنْ كَانَ لِأَمْثَالِهِ قِيمَةٌ وَهُوَ يُنْتَفَعُ فِي غَيْرِ الْخَمْرِ (?).

وَقَالَ الْغَزَالِيُّ (?): وَفِي إرَاقَةِ الْخُمُورِ يَتَوَقَّى كَسْرَ الْأَوَانِي إنْ وَجَدَ إلَيْهِ سَبِيلًا وَحَيْثُ كَانَتْ الْإِرَاقَةُ مُتَيَسِّرَةً بِلَا كَسْرٍ , فَكَسَرَهَا لَزِمَهُ الضَّمَانُ. وَقَالَ أَيْضًا (?): الْوَالِي لَهُ أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ إذَا رَأَى الْمَصْلَحَةَ فِيهِ , وَلَهُ أَنْ يَأْمُرَ بِكَسْرِ الظُّرُوفِ الَّتِي فِيهَا الْخَمْرُ زَجْرًا , وَقَدْ فُعِلَ ذَلِكَ فِي زَمَنِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - تَأْكِيدًا لِلزَّجْرِ , وَلَمْ يَثْبُتْ نَسْخُهُ (?) , وَلَكِنْ كَانَتْ الْحَاجَةُ إلَى الزَّجْرِ وَالْفِطَامِ شَدِيدَةً , فَإِذَا رَأَى الْوَالِي بِاجْتِهَادِهِ مِثْلَ الْحَاجَةِ جَازَ لَهُ مِثْلُ ذَلِكَ , وَإِذَا كَانَ هَذَا مَنُوطًا بِنَوْعِ اجْتِهَادٍ دَقِيقٍ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ لِآحَادِ الرَّعِيَّةِ (?).

الضَّمَانُ فِي تَلَفِ النُّفُوسِ (?):

50 - أَمَّا الشِّقُّ الْآخَرُ وَهُوَ الضَّمَانُ فِي تَلَفِ النُّفُوسِ بِسَبَبِ مَا يَقُومُ بِهِ الْمُحْتَسِبُ , فَإِنَّ لِلْفُقَهَاءِ أَقْوَالًا فِي ذَلِكَ:

ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إلَى أَنَّ مَنْ مَاتَ مِنْ التَّعْزِيرِ لَمْ يَجِبْ ضَمَانُهُ , لِأَنَّهَا عُقُوبَةٌ مَشْرُوعَةٌ لِلرَّدْعِ وَالزَّجْرِ , فَلَمْ يُضْمَنْ مَنْ تَلِفَ بِهَا كَالْحَدِّ , وَلِأَنَّهُ فَعَلَ مَا فَعَلَ بِأَمْرِ الشَّرْعِ , وَفِعْلُ الْمَأْمُورِ لَا يَتَقَيَّدُ بِشَرْطِ السَّلَامَةِ , وَلِأَنَّهُ اسْتَوْفَى حَقَّ اللَّهِ تَعَالَى بِأَمْرِهِ , فَصَارَ كَأَنَّ اللَّهَ أَمَاتَهُ مِنْ غَيْرِ وَاسِطَةٍ فَلَا يَجِبُ الضَّمَانُ (?).

طور بواسطة نورين ميديا © 2015