وَعِنْدَئِذٍ يَكُونُ مُدَّعِيًا بِالْحَقِّ وَشَاهِدًا بِهِ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ. وَيُطْلِقُ الْفُقَهَاءُ عَلَى مَنْ يَقُومُ بِالِاحْتِسَابِ دُونَ انْتِدَابٍ لَهَا مِنْ الْإِمَامِ أَوْ نَائِبِهِ الْمُتَطَوِّعَ , أَمَّا مَنْ انْتَدَبَهُ الْإِمَامُ وَعَهِدَ إلَيْهِ النَّظَرَ فِي أَحْوَالِ الرَّعِيَّةِ وَالْكَشْفَ عَنْ أُمُورِهِمْ وَمَصَالِحِهِمْ فَهُوَ الْمُحْتَسِبُ. وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا مِنْ عِدَّةِ أَوْجُهٍ كَمَا بَيَّنَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ وَهِيَ (?): الْأَوَّلُ: أَنَّ قِيَامَ الْمُحْتَسَبِ بِالْوِلَايَةِ صَارَ مِنْ الْحُقُوقِ الَّتِي لَا يَسُوغُ أَنْ يُشْتَغَلَ عَنْهَا بِغَيْرِهَا وَقِيَامُ الْمُتَطَوِّعِ بِهَا مِنْ نَوَافِلِ عَمَلِهِ يَجُوزُ أَنْ يَشْتَغِلَ عَنْهَا بِغَيْرِهَا.

الثَّانِي: أَنَّهُ مَنْصُوبٌ لِلِاسْتِعْدَاءِ فِيمَا يَجِبُ إنْكَارُهُ , وَلَيْسَ الْمُتَطَوِّعُ مَنْصُوبًا لِلِاسْتِعْدَاءِ.

الثَّالِثُ: أَنَّ عَلَى الْمُحْتَسِبِ بِالْوِلَايَةِ إجَابَةُ مَنْ اسْتَعْدَاهُ وَلَيْسَ عَلَى الْمُتَطَوِّعِ إجَابَتُهُ.

الرَّابِعُ: أَنَّ عَلَيْهِ أَنْ يَبْحَثَ عَنْ الْمُنْكَرَاتِ الظَّاهِرَةِ لِيَصِلَ إلَى إنْكَارِهَا وَيَفْحَصَ عَمَّا تُرِكَ مِنْ الْمَعْرُوفِ الظَّاهِرِ لِيَأْمُرَ بِإِقَامَتِهِ , وَلَيْسَ عَلَى غَيْرِهِ مِنْ الْمُتَطَوِّعَةِ بَحْثٌ وَلَا فَحْصٌ.

الْخَامِسُ: أَنَّ لَهُ أَنْ يَتَّخِذَ عَلَى الْإِنْكَارِ أَعْوَانًا , لِأَنَّهُ عَمَلٌ هُوَ لَهُ مَنْصُوبٌ وَإِلَيْهِ مَنْدُوبٌ لِيَكُونَ عَلَيْهِ أَقْدَرَ , وَلَيْسَ لِلْمُتَطَوِّعِ أَنْ يَنْدُبَ لِذَلِكَ أَعْوَانًا.

السَّادِسُ: أَنَّ لَهُ أَنْ يُعَزِّرَ فِي الْمُنْكَرَاتِ الظَّاهِرَةِ وَلَا يَتَجَاوَزَ إلَى الْحُدُودِ , وَلَيْسَ لِلْمُتَطَوِّعِ أَنْ يُعَزِّرَ عَلَى مُنْكَرٍ.

السَّابِعُ: أَنَّ لَهُ أَنْ يَرْتَزِقَ عَلَى حِسْبَتِهِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ , وَلَا يَجُوزُ لِلْمُتَطَوِّعِ أَنْ يَرْتَزِقَ عَلَى إنْكَارِ مُنْكَرٍ

الثَّامِنُ: أَنَّ لَهُ اجْتِهَادَ رَأْيِهِ فِيمَا تَعَلَّقَ بِالْعُرْفِ دُونَ الشَّرْعِ كَالْمَقَاعِدِ فِي الْأَسْوَاقِ , وَإِخْرَاجِ الْأَجْنِحَةِ فَيُقِرُّ وَيُنْكِرُ مِنْ ذَلِكَ مَا أَدَّاهُ إلَيْهِ اجْتِهَادُهُ , وَلَيْسَ هَذَا لِلْمُتَطَوِّعِ (?).

أَرْكَانُ الْحِسْبَةِ (?):

10 - ذَكَرَ الْإِمَامُ الْغَزَالِيُّ أَنَّهَا أَرْبَعَةٌ (?): الْمُحْتَسِبُ , وَالْمُحْتَسَبُ عَلَيْهِ , وَالْمُحْتَسَبُ فِيهِ , وَنَفْسُ الِاحْتِسَابِ. وَلِكُلِّ رُكْنٍ مِنْ هَذِهِ الْأَرْكَانِ حُدُودٌ وَأَحْكَامٌ وَشُرُوطٌ تَخُصُّهُ:

الرُّكْنُ الْأَوَّلُ: الْمُحْتَسِبُ (?):

وَهُوَ مَنْ نَصَّبَهُ الْإِمَامُ أَوْ نَائِبُهُ لِلنَّظَرِ فِي أَحْوَالِ الرَّعِيَّةِ وَالْكَشْفِ عَنْ أُمُورِهِمْ وَمَصَالِحِهِمْ , وَتَصَفُّحِ أَحْوَالِ السُّوقِ فِي مُعَامَلَاتِهِمْ , وَاعْتِبَارِ مَوَازِينِهِمْ وَغِشِّهِمْ , وَمُرَاعَاةِ مَا يَسْرِي عَلَيْهِ أُمُورُهُمْ , وَاسْتِتَابَةِ الْمُخَالِفِينَ , وَتَحْذِيرِهِمْ بِالْعُقُوبَةِ , وَتَعْزِيرِهِمْ عَلَى حَسَبِ مَا يَلِيقُ مِنْ التَّعْزِيرِ عَلَى قَدْرِ الْجِنَايَةِ (?).

طور بواسطة نورين ميديا © 2015