الْأَمْرُ بِهَا وَإِنْ لَمْ تَكُنْ وَاجِبَةً. وَحَمَلُوا كَوْنَ الْأَمْرِ فِي الْمُسْتَحَبِّ مُسْتَحَبًّا عَلَى غَيْرِ الْمُحْتَسِبِ , وَقَالُوا: إنَّ الْإِمَامَ إذَا أَمَرَ بِنَحْوِ صَلَاةِ الِاسْتِسْقَاءِ أَوْ صَوْمِهِ صَارَ وَاجِبًا , وَلَوْ أَمَرَ بِهِ بَعْضُ الْآحَادِ لَمْ يَصِرْ وَاجِبًا.
وَالثَّانِيَةُ: إذَا سَقَطَ وُجُوبُ الِاحْتِسَابِ , كَمَا إذَا خَافَ عَلَى نَفْسِهِ وَيَئِسَ مِنْ السَّلَامَةِ وَأَدَّى الْإِنْكَارُ إلَى تَلَفِهَا. وَيَكُونُ حُكْمُ الِاحْتِسَابِ التَّوَقُّفَ إذَا تَسَاوَتْ الْمَصْلَحَةُ وَالْمَفْسَدَةُ , لِأَنَّ تَحْقِيقَ الْمَصْلَحَةِ وَدَرْءَ الْمَفْسَدَةِ أَمْرٌ مَطْلُوبٌ فِي الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ , فَإِذَا اجْتَمَعَتْ الْمَصَالِحُ وَالْمَفَاسِدُ , فَإِنْ أَمْكَنَ تَحْصِيلُ الْمَصَالِحِ وَدَرْءُ الْمَفَاسِدِ فُعِلَ ذَلِكَ امْتِثَالًا لِأَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى لِقَوْلِهِ: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ .. } (16) سورة التغابن، وَإِنْ تَعَذَّرَ الدَّرْءُ دُرِئَتْ الْمَفْسَدَةُ وَلَوْ فَاتَتْ الْمَصْلَحَةُ قَالَ تَعَالَى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَآ أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا .. } (219) سورة البقرة، حَرَّمَ الْخَمْرَ وَالْمَيْسِرَ لِأَنَّ مَفْسَدَتَهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا (?).وَإِذَا اجْتَمَعَتْ الْمَفَاسِدُ الْمَحْضَةُ , فَإِنْ أَمْكَنَ دَرْؤُهَا دُرِئَتْ , وَإِنْ تَعَذَّرَ دَرْءُ الْجَمِيعِ دُرِئَ الْأَفْسَدُ فَالْأَفْسَدُ , وَالْأَرْذَلُ فَالْأَرْذَلُ , وَإِنْ تَسَاوَتْ فَقَدْ يَتَوَقَّفُ , وَقَدْ يَتَخَيَّرُ , وَقَدْ يَخْتَلِفُ التَّسَاوِي وَالتَّفَاوُتُ (?). وَيَقُولُ شيخُ الإسلامِ ابْنُ تَيْمِيَّةَ: وَجِمَاعُ ذَلِكَ دَاخِلٌ فِي الْقَاعِدَةِ الْعَامَّةِ فِيمَا إذَا تَعَارَضَتْ الْمَصَالِحُ وَالْمَفَاسِدُ , وَالْحَسَنَاتُ وَالسَّيِّئَاتُ , أَوْ تَزَاحَمَتْ , فَإِنَّهُ يَجِبُ تَرْجِيحُ الرَّاجِحِ مِنْهَا فِيمَا إذَا ازْدَحَمَتْ الْمَصَالِحُ وَالْمَفَاسِدُ , فَإِنَّ الْأَمْرَ وَالنَّهْيَ وَإِنْ كَانَ مُتَضَمِّنًا لِتَحْصِيلِ مَصْلَحَةٍ وَدَفْعِ مَفْسَدَةٍ , فَيُنْظَرُ فِي الْمَعَارِضِ لَهُ , فَإِنْ كَانَ الَّذِي يَفُوتُ مِنْ الْمَصَالِحِ أَوْ يَحْصُلُ مِنْ الْمَفَاسِدِ أَكْثَرَ لَمْ يَكُنْ مَأْمُورًا بِهِ , بَلْ يَكُونُ مُحَرَّمًا إذَا كَانَتْ مَفْسَدَتُهُ أَكْثَرَ مِنْ مَصْلَحَتِهِ , لَكِنَّ اعْتِبَارَ مَقَادِيرِ الْمَصَالِحِ وَالْمَفَاسِدِ هُوَ بِمِيزَانِ الشَّرِيعَةِ فَمَتَى قُدِّرَ لِإِنْسَانٍ عَلَى اتِّبَاعِ النُّصُوصِ لَمْ يَعْدِلْ عَنْهَا , وَإِلَّا اجْتَهَدَ رَأْيَهُ لِمَعْرِفَةِ الْأَشْبَاهِ وَالنَّظَائِرِ , وَعَلَى هَذَا إذَا كَانَ الشَّخْصُ أَوْ الطَّائِفَةُ جَامِعِينَ بَيْنَ مَعْرُوفٍ وَمُنْكَرٍ بِحَيْثُ لَا يُفَرِّقُونَ بَيْنَهُمَا , بَلْ إمَّا أَنْ يَفْعَلُوهُمَا جَمِيعًا , أَوْ يَتْرُكُوهُمَا جَمِيعًا لَمْ يَجُزْ أَنْ يُؤْمَرُوا بِمَعْرُوفٍ وَلَا أَنْ يُنْهَوْا عَنْ مُنْكَرٍ , بَلْ يُنْظَرُ , فَإِنْ كَانَ الْمَعْرُوفُ أَكْثَرَ أَمَرَ بِهِ , وَإِنْ اسْتَلْزَمَ مَا هُوَ دُونَهُ مِنْ الْمُنْكَرِ وَلَمْ يَنْهَ عَنْ مُنْكَرٍ يَسْتَلْزِمُ تَفْوِيتَ مَعْرُوفٍ أَعْظَمَ مِنْهُ , بَلْ يَكُونُ النَّهْيُ حِينَئِذٍ مِنْ بَابِ الصَّدِّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالسَّعْيِ فِي زَوَالِ طَاعَتِهِ وَطَاعَةِ رَسُولِهِ وَزَوَالِ فِعْلِ الْحَسَنَاتِ , وَإِنْ كَانَ الْمُنْكَرُ أَغْلِبَ نَهْي عَنْهُ وَإِنْ اسْتَلْزَمَ فَوَاتَ مَا هُوَ دُونَهُ مِنْ الْمَعْرُوفِ , وَيَكُونُ الْأَمْرُ بِذَلِكَ الْمَعْرُوفِ الْمُسْتَلْزِمِ لِلْمُنْكَرِ الزَّائِدِ عَلَيْهِ أَمْرًا بِمُنْكَرٍ وَسَعْيًا فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ. وَإِنْ تَكَافَأَ الْمَعْرُوفُ وَالْمُنْكَرُ الْمُتَلَازِمَانِ لَمْ يُؤْمَرْ بِهِمَا وَلَمْ يُنْهَ عَنْهُمَا. فَتَارَةً يَصْلُحُ الْأَمْرُ , وَتَارَةً يَصْلُحُ النَّهْيُ , وَتَارَةً لَا يَصْلُحُ لَا أَمْرٌ وَلَا نَهْيٌ. وَإِذَا اشْتَبَهَ الْأَمْرُ اسْتَبَانَ