وقد ذُكر أن أتابك سلطان دمشق طلب محتسبًا، فذُكر له رجلٌ من أهل العلم، فأمر بإحضاره فلما نظره قال: "إني وليتك أمر الحسبة على الناس بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، قال: إن كان الأمر كذلك فقم عن هذه الطُّرَّاحة -مرتبة يجلس عليها السلطان- وارفع هذا المسند، فإنهما حرير، واخلع هذا الخاتم فإنه ذهب، وقد قال -صلى الله عليه وسل م-: ((هذان حرام على ذكور أمتي، حل لإناثها))، فنهض السلطان عن طراحته وأمر برفع المسند، وخلع الخاتم من أصبعه، وقال: ضممت إليك النظر في أمور الشرطة، فما رأى الناس محتسبًا أهيب منه".

وينبغي للمحتسب أن يكون مواظبًا على سنن رسول الله -صلى الله عليه وسل م- من قص الشارب، ونتف الإبط، وحلق العانة، وتقليم الأظافر، ونظافة الثياب، وتقصيرها، والتعطر بالمسك، ونحوه، وجميع سنن الشرع ومستحباته، هذا مع القيام على الفرائض والسنن الراتبة؛ فقد نقل عن بعض أصحاب مذهب الشافعي -رضي الله عنه-: "أن العدل إذا أصر على ترك السنن الراتبة؛ كان ذلك قادحًا في عدالته".

وقد حُكي أن رجل حضر عند السلطان محمود بمدينة غزنة يطلب الحسبة، فنظر السلطان فرأى شاربه قد غطى فاه من طوله، وأذياله تسحب على الأرض، فقال السلطان للشيخ: "يا شيخ امضِ واحتسب على نفسك، ثم عُد واطلب الحسبة على غيرك".

يقول شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- في ضرورة الإخلاص لله، والتمسك بسنة رسول الله -صلى الله عليه وسل م- في حق الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر يقول: "وتحقيق ذلك أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو من أوجب الأعمال، وأفضلها، وأحسنها، وقد قال الله تعالى: {الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا} (الملك: 2)، وقد قال الفضيل بن عياض في تفسير هذه الآية: {لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا} قال: يعني: أخلصه وأصوبه، فإن العمل إذا كان خالصًا، ولم

طور بواسطة نورين ميديا © 2015