أول ما يجب على المحتسب أن يعمل بما يعلم، ولا يكون قوله مخالفًا لفعله، فقد قال الله -تبارك وتعالى- في ذم بني إسرائيل: {أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ} (البقرة: 44)، وخاطبنا الله نحن المؤمنين بقوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ} (الصف: 2، 3).
وفي الحديث عن النبي -صلى الله عليه وسل م- أنه قال: ((رأيت ليلة أسري بي رجالًا تُقرض شفاههم بالمقاريض، فقلت له: من هؤلاء يا جبريل؟ قال: خطباء أمتك الذين يأمرون الناس بالبر وينسون أنفسهم)).
وقد قال الله تعالى مخبرًا عن شعيب -عليه السلام- لما نهى قومه عن بخس الموازين ونقص المكاييل: {وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ} (هود: 88).
وقد قال القائل:
لا تنه عن خلق وتأتي مثله ... عار عليك إذا فعلت عظيم
ويجب على المحتسب أن يقصد بقوله وفعله وجه الله تعالى، وطلب مرضاته، خالص النية لا يشوبه في طويته رياء ولا مراء، ويتجنب في رياسته منافسة الخلق، ومفاخرة أبناء الجنس؛ لينشر الله عليه رداء القبول، وعلم التوفيق، ويقذف له في القلوب مهابة، وجلالة، ومبادرة إلى قبول قوله بالسمع والطاعة، فقد قال النبي -صلى الله عليه وسل م-: ((من أرضى الله بسخط الناس كفاه شرهم، ومن أرضى الناس بسخط الله وكله إليهم، ومن أحسن فيما بينه وبين الله أحسن الله فيما بينه وبين الناس، ومن أصلح سريرته أصلح الله علانيته، ومن عمل لآخرته كفاه الله أمر دنياه)).