أما إذا كان المحتسب فاسقًا غير عدل، فالغالب أن وعظه لا يؤثر ولا يقبل فلا يفيد، وإذا لم ينفع وعظه لم تجب عليه الحسبة؛ لفقدان شرط وجوبها وهو العدالة. أما إذا كانت الحسبة بالقوة والقهر فالعدالة ليست شرطًا في المحتسب؛ لوجوب الحسبة عليه، إذ الشرط لوجوبها عليه القوة والقدرة وليست العدالة، ولأن الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن.

ومع هذا التفصيل الذي بيناه، فإنه مما لا ريب فيه أن من المرغوب فيه بالنسبة لجميع المحتسبين أن يكون على أكبر قدر ممكن من العدالة، وتجنب ما يخدشها، وكلما كان المحتسب أكثر عدالة من غيره كان ذلك -كما قالوا- أزيد في توقيره، وأنفى للطعن في دينه، وتؤثر حسبته وتقبل، وإن كانت بالقوة والقهر.

ومن شروط المحتسب: العلم، فيُشترط في المحتسب أن يكون عنده من العلم ما يستطيع أن يعرف المنكر فينهى عنه، ويعرف المعروف فيأمر به حسب الموازين الشرعية، وبهذا يكون احتسابه عن علم ومعرفة لا عن جهل وتخبط، وقد جاء في الأثر: "لا يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر إلا من كان فقيهًا فيما يأمر به فقيهًا فيما ينهى عنه"، ويدخل في حد العلم المطلوب علم المحتسب بمواقع الحسبة وحدودها، ومجاريها، وموانعها؛ ليقف عند حدود الشرع، ولكن هل يشترط في المحتسب أن يكون مجتهدًا؟

الجواب بالإيجاب إذا قلنا للمحتسب أن يحمل الناس على رأيه في الأمور المختلف فيها. أما إذا قلنا: ليس للمحتسب ذلك؛ فالاجتهاد ليس شرطًا، وإنما يكفي أن يكون عالمًا بالمنكرات المتفق عليها، وبالمعروف المتفق عليه، وعدم اشتراط الاجتهاد هو ما نرجحه.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015