وها نحن نورد باختصار شيئًا من الحسبة في عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- وعهد خلفائه الراشدين الأربعة -رضي الله عنهم أجمعين- فنقول: لقد بدأت الحسبة في عهده -صلى الله عليه وسلم- بشكل فردي تتطوعي لا تديره ولاية، ولا يتم عن طريق تنظيم معين، فالحسبة كغيرها من أعمال وخطط الحكومة النبوية في المدنية النبوية، وفي بداية تأسيسها تدار بشكل فردي. وهذا شيء بدهي لكيان يتشكل ودولة تؤسس، فبالمحتسب الفرد بدأ نظام الحسبة، خاصة وأن نظام الحسبة لا يرتبط بنشوء الدولة؛ بل مارسها المسلمون منذ فجر الدعوة الإسلامية على وحي من النصوص التي جاءت تحث على القيام بها.
ذلك لأن الحسبة من الأمور الهامة والضرورية لأي مجتمع يتطلع إلى أن يسود بين أفراده الصلاح والفضيلة؛ إذ بدونها -أي: الحسبة- لا يمكن أن يحافظ على تطبيق شرائع الإسلام بين أفراد الأمة، وعلى هذا فإن وجود الحسبة لا يتوقف على قيام الدولة ذات الكيان السياسي، وإنما الحسبة توجد أينما وُجد مسلمان فأكثر؛ لأن الحسبة هي النصيحة، والنصيحة بين المسلمين مطلوبة ومأمور بها شرعًا. ألم يقل النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((الدين النصيحة))، ويقول -عليه الصلاة والسلام-: ((المؤمن مرآة أخيه))، أي: أن المؤمن يرى أخطاءه من خلال نصح أخيه له، وهذه هي عين الحسبة.
ولقد كان -صلى الله عليه وسلم- قد بدأ بالحسبة بنفسه قولًا وعملًا؛ فبالحسبة الفعلية أنه ((مر يومًا على سوق المدينة، فوجد صاحب طعام يبيع، وكان قد أخفى الطعام المبتل بالماء داخل الطعام، فمدَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- يده في الطعام ووجد البلل، فقال لصاحب الطعام: ما هذا؟ قال: لقد أصابته السماء يا رسول الله -أي: نزل عليه المطر-