كما قال الله تعالى عن المنافقين: {وَم ِنْهُم مَّن يَقُولُ ائْذَن لِّي وَلاَ تَفْتِنِّي أَلاَ فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُواْ} (التوبة: 49).
وقد ذكر في التفسير أنها نزلت في الجد بن قيس لما أمره النبي -صلى الله عليه وسلم- بالتجهز لغزو الروم، وأظنه قال: هل لك في نساء بني الأصفر، فقال: يا رسول الله إني رجل لا أصبر على النساء، وإني أخاف الفتنة بنساء بني الأصفر، فائذن لي ولا تفتني، وهذا الجد هو الذي تخلف عن بيعة الرضوان تحت الشجرة، واستتر بجبل أحمر وجاء فيه الحديث: ((أن كلهم مغفور له إلا صاحب الجمل الأحمر)) فأنزل الله تعالى فيه {وَمِنْهُم مَّن يَقُولُ ائْذَن لِّي وَلاَ تَفْتِنِّي أَلاَ فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُواْ} (التوبة: 49).
يقول: إنه طلب القعود ليسلم من فتنة النساء، فلا يفتتن بهن، فيحتاج إلى الاحتراز من المحظور، ومجاهدة نفسه عنه، فيتعذر بذلك أو يواقعه فيأثم، فإن من رأى الصور الجميلة وأحبها، فإن لم يتمكن منها إما لتحريم الشارع، وإما للعجز عنها يعذب قلبه، وإن قدر عليها وفعل المحظور هلك، وفي الحلال من ذلك من معالجة النساء ما فيه بلاء فهذا وجه قوله: {وَلاَ تَفْتِنِّي}.
قال الله تعالى: {أَلاَ فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُواْ} يقول: نفس إعراضه عن الجهاد الواجب، وركونه عنه وضعف إيمانه ومرض قلبه الذي زين له ترك الجهاد هو نفسه فتنة عظيمة قد سقط فيها، فكيف يطلب التخلص من فتنة صغيرة لم تصبه بوقوعه في فتنة عظيمة قد أصابته؟ والله تعالى يقول: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلّه} (الأنفال: 39)، فمن ترك القتال الذي أمر الله تعالى به؛ لئلا تكون فتنة فهو في الفتنة ساقط بما وقع فيه من ريب قلبه، ومرض فؤاده وتركه بما أمر الله به من الجهاد.