إحداها: أن من باشر فعلًا لغرض فلا شك أن الصورة التي علم فيها إفضاء تلك الوسيلة إلى ذلك الغرض كان ذلك الفعل أوجب من السورة التي علم فيها عدم ذلك الإفضاء، فلذلك قال: {إِن نَّفَعَتِ الذِّكْرَى}.
وثانيها: أنه تعالى ذكر أشرف الحالتين، ونبه على الأخرى كقوله: {سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ} والتقدير: فذكر إن نفعت الذكرى أو لم تنفع.
وثالثها: أن المراد منه البعث على الانتفاع بالذكرى كما يقول المرء لغيره إذا بين الحق: قد أوضحت لك إن كنت تعقل، فيكون مراده القبول والانتفاع به.
ورابعها: أن هذا يجري مجرى تنبيه الرسول -صلى الله عليه وسلم- أنه لا تنفعه ذكرى كما يقال للرجل: ادع فلانًا إن أجابك، والمعنى: وما أراه يجيبك.
وخامسها: أنه -عليه السلام- دعاه إلى الله كثيرًا، وكلما كانت الدعوة أكثر كان عتوه أكثر، وكان -عليه سلام- يحترق حسرة على ذلك، فقيل له: {وَمَا أَنتَ عَلَيْهِم بِجَبَّارٍ فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَن يَخَافُ وَعِيد} (ق: 45).
إذ التذكير العام واجب في أول الأمر، فأما التكرير فلعله إنما يجب عند رجاء حصول المقصود، فهذا المعنى قيده بهذا الشرط.
وقد يتشبث البعض بمخافة الفتنة، فيترك الدعوة، ويترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مخافة أن تحدث الفتنة إذا أمر وإذا نهى، وفي ذلك يقول شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمة الله عليه-: "ولما كان في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والجهاد في سبيل الله من الابتلاء والمحن ما يتعرض به المرء للفتنة سار في الناس من يتعلل لترك ما وجب عليهم من ذلك؛ بأنه يطلب السلامة من الفتنة"،