الأول: أن القاعدة الأصولية تقول: إن الإنسان لا يكلف بفعل غيره أي: لا يكلف أن يفعل غيره فعلًا معينًا أو يترك فعلًا معينًا؛ لأن هذا من قبيل تكليف ما لا يطاق، وإنما يكلف الإنسان أن يفعل هو فعلًا معينًا يتعلق بغيره، وقد يحمله على الفعل كالدعوة إلى الله، وكالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
فالمسلم مطالب ومكلف بأن يأمر بالمعروف، وقد يستجيب المأمور، فيكون أمر الآمر سببًا لفعل المأمور، وقد لا يستجيب المأمور، وبهذا مدح الله تعالى إسماعيل -عليه السلام- بقوله: {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولاً نَّبِيًّا * وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلاَةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِندَ رَبِّهِ مَرْض ِيًّا} (مريم: 54، 55).
فالذي يملكه المسلم ويكلف به أن يأمر غيره بالمعروف، ويدعوه إلى عبادة الله ولا يكلف بأن يفعل الغير فعلًا معينًا، فإذا أمر المسلم بالمعروف فائتمر بأمره، ونهى عن المنكر فترك ذلك المنكر، فقد وقع أجره على الله، وجاءه الأجر والثواب كلما فعل هذا المعروف الذي أمر به، وكلما ترك هذا المنكر الذي نهى عنه، وإن أمر بالمعروف ولم يؤتمر بأمره ونهى عن المنكر فلم يترك هذا المنكر، فقد وقع أجره على الله، وحصل ثواب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
ثم إن الاستجابة والهداية مردها إلى الله -تبارك وتعالى- لا يملكها أحد سواه، ولذلك قال الله تعالى للنبي -صلى الله عليه وسلم-: {لَّيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللهَ يَهْدِي مَن يَشَاء} (البقرة: 272) وقال: {إِنَّكَ لاَ تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاء} (القصص: 56).
وهذه الهداية التي نفاها الله تعالى عن رسوله -صلى الله عليه وسلم- هي هداية التوفيق الذي هو خلق قدرة الطاعة، وخلق قدرة القبول في القلب قلب المدعو والمأمور المنهي، فهداية التوفيق والسمع والطاعة والقبول بيد الله -عز وجل- يهدي من يشاء