فأصحاب هذه القرية لما أمروا بتعظيم الجمعة، فرفضوا واختاروا السبت ابتلاهم الله -تبارك وتعالى- فسلط عليهم الحيتان تظهر لهم على الشواطئ يوم السبت تنالها أيديهم فضلًا عن شباكهم، ثم تغيب الحيتان الأسبوع كله، وتأتي في السبت الذي يليه، فاحتال بعضهم فحفر للسمك أو وضع الشباك له في أيام المباحة العمل فيها، فوقع السمك في الشباك يوم السبت، فأخذوها يوم الأحد، فصار أصحاب هذه القرية ثلاث فرق؛ فرقة ارتكبت الحرام بالحيلة، وفرقة أنكرت عليهم ووعظتهم، وفرقة سكتت عنهم لم تنكر عليهم، ولم تعظهم، بل قالت للفرقة التي أنكرت ووعظت: {لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا} أي: لما تنهون هؤلاء وقد علمتم أنه قد هلكوا، واستحقوا العقوبة من الله فلا فائدة في نهيكم إياهم، فقالت الفرقة المنكرة بالجواب الصحيح: {قَالُواْ مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ} أي: فيما أخذ علينا من واجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فنحن بقيامنا بهذا الواجب نعتذر إلى ربنا لا نملك إلا أن ندعوا هؤلاء العصاة للإقلاع عن معصيتهم والإنابة إلى ربهم، {وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُون} أي: ولعل هذا الإنكار عليهم ودعوتنا إياهم للإنابة إلى ربهم والرجوع إليه يدعوهم إلى الاستجابة.
ففي هذه القصة، وفي قيام هذه الفرقة بواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إشارة إلى أنه ما دام هناك احتمال قبول الدعوة، فلا بد من استمرار الوعظ والإرشاد والدعوة إلى الله تعالى: {لِّيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَن بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَن بَيِّنَةٍ} (الأنفال: 42).