-رحمه الله-: "فدلت هذه الأحاديث كلها على وجوب إنكار المنكر بحسب القدرة عليه، أما إنكاره بالقلب فلا بد منه، فما لم ينكر قلب المؤمن دلَّ على ذهاب الإيمان من قبله"، وقد روي عن أبي جحيفة قال: قال علي: "إن أول ما تغلبون عليه من الجهاد جهاد بأيديكم، ثم الجهاد بألسنتكم، ثم الجهاد بقلوبكم، فمتى لم يعرف قلبه المعروف وينكر المنكر نُكس فجعل أعلاه أسفله".

وسمع ابن مسعود رجلًا يقول: "هلك من لم يأمر بالمعروف ولم ينه عن المنكر". فقال ابن مسعود: "هلك من لم يعرف بقلبه المعروف والمنكر" يشير بقوله إلى أن معرفة المعروف والمنكر بالقلب فرض لا يسقط عن أحد، فمن لم يعرفه هلك.

وأما الإنكار باللسان واليد، فإنما يجب بحسب الطاقة، قال ابن مسعود -رضي الله عنه-: "يوشك من عاش منكم أن يرى منكرًا لا يستطيع له غير أن يعلم الله من قلبه أنه له كاره".

وفي (سنن أبي داود) عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إذا عُملت الخطيئة في الأرض كان من شهدها فكرهها كمن غاب عنها، ومن غاب عنها فرضيها كان كمن شهدها، فمن شهد الخطيئة فكرهها في قلبه كان كمن لم يشهدها، إذا عجز عن إنكارها بلسانه ويده، ومن غاب عنها فرضيها كان كمن شهدها وقدر على إنكارها، ولم ينكرها))؛ لأن الرضا بالخطايا من أقبح المحرمات، ويفوت به إنكار الخطيئة بالقلب، وهو فرض على كل مسلم لا يسقط عن أحد في كل حال من الأحوال.

وخرج ابن أبي الدنيا من حديث أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه- عن النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- قال: ((من حضر معصية فكرهها فكأنه غاب عنها، ومن غاب عنها أحبها فكأنه حضرها))، وهذا مثل الذي قبله؛ فتبين بهذا أن الإنكار بالقلب فرض على كل مسلم في كل حال.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015