وإذا كان كل فرد من أفراد المسلمين مكلفًا بالدعوة إلى الخير والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر بمقتضى الوجه الأول في تفسير الآية، فهم مكلفون أن يختاروا أمة منهم تقوم بهذا العمل؛ لأجل أن تتقنه وتقدر على تنفيذه، فإقامة هذه الأمة الخاصة فرض عين يجب على كل مكلف أن يشترك فيه مع الآخرين، ولا مشقة في هذا علينا، فإنه يتيسر لأهل كل قرية أن يجتمعوا، ويختاروا منهم من يرونه أهلًا لهذا العمل؛ لينضم إلى من يختاره من سائر القرى والبلاد لأجل الضرب في الأرض للدعوة إلى الإسلام في غير بلادة، أو لإقامة بعض الفرائض والشعائر، أو إزالة بعض المنكرات من بلد آخر من بلاد المسلمين، فهذا هو حكم الحسبة أو حكم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

الحِكمة من مشروعية الحسبة

أما الحكمة من مشروعيتها؛ فقد قال فيها الدكتور عبد الكريم زيدان في كتابه (أصول الدعوة): "وحكمة مشروعيتها ظاهرة؛ لأن تبليغ الدعوة الإسلامية بجميع معانيها يندرج تحت المفهوم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، كما أن من حكمة مشروعيتها توقي العذاب، واستنزال رحمة الله -عز وجل- وبيان ذلك أن المعاصي سبب المصائب، وما ينزل على الناس من عذاب التأديب أو الانتقام أو الاستئصال، وبهذا جرت سنة الله تعالى، فقد قال ربنا سبحانه: {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ} (الشورى: 30)، وإذا كان الكفر والفسوق والعصيان سبب للمصائب والهلاك فقط يذنب الرجل أو الطائفة، ويسقط الآخرون فلا يأمرون ولا ينهون فيكون ذلك من ذنوبهم فتصيبه المصائب.

وفي الحديث الشريف قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((إن الناس إذا رأوا المنكر فلم يغيروه أوشك الله أن يعمهم بعذاب منه)).

طور بواسطة نورين ميديا © 2015