فانتشر العلم مكان الجهل، وتمسك الناس بالتوحيد، ونبذوا الشرك، وأمن الناس على أنفسهم وأموالهم وأعراضهم، بفضل عودتهم إلى عقيدتهم الصحيحة، وحَلّت الوِحْدَةُ بدل الفُرقة، وعُرف المَعروف فأمر به، وحُثّ على فعله وأدب على تركه، وعرف المنكر فنهي على ارتكابه، وعذر من فعله، وأقيمت حدود الله بين خلقه بعد أن كانت مضيعة.
وصور الاحتساب في حياة الشيخ -رحمه الله- كثيرة جدًّا يُمكن الرُّجوع إليها في مظانها من الكُتب التاريخية، والتي أُلّفت عن الشَّيخ ودعوته، لكن ما قَصَدْنَاهُ من إبراز هذه المقدمة عن بدايات الدعوة وتأسيسها، على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في هذه الدولة منذ عهدها الأول، هو للتدليل على أنه ولاية الحسبة في المملكة العربية السعودية اليوم، والتي تمثلها الرئاسة العاملة لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لم تكن ولدية عقد أو عقدين من الزمان بل مضى عليها قرون.
فهي إذًا امتدادٌ طَبيعيٌّ لقِيامِ وِلَاية الحِسْبَة في الدُّول والعصور الإسلامية في مُختلف أصقاع العالم الإسلامي في الماضي.
نشأة الهيئة وتطورها:
عرفنا أنّ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إبّان تأسيس هذه الدولة السعودية في دورها الأول؛ قد تولاه الشيخ محمد بن عبد الوهاب -رحمه الله- إلى جانبِ أعمالهِ الأُخْرى التي منها الإفتاء والقضاء والتعليم، ودوره البارز في تجهيز الجُيوش المُدَافِعَةِ عن الدّعْوَة، والقائمة بنشرها في الوقت نفسه، وبعد وفاته -