فكانَت دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب المُجدد -رحمه الله- ذلك السراج الذي قاد الناس، وأعادهم إلى أصول دينهم، ومنابع ثقافتهم إلى الكتاب والسُّنة؛ لقَد كان ذَلك المُصْلِحُ الكبير يَدْعُو النّاس إلى العودة إلى الاعتقاد الصحيح ونبذ الشرك، فقوبل أول ما قوبل بالنكير والأذى، بل لقد تعدى الأمر إلى محاولة اغتياله؛ لكن الله حفظه ولم تقف محاولات أعداء دعوته عند ذلك الحد، بل طاردوه من بلد إلى آخر؛ حتى انتهى به المطاف إلى بلدٍ أمن فيه على دعوته، هو بلد الدرعية، وهناك التقى بالأمير محمد بن سعود المؤسس الأول للدولة السعودية الأولى، وشرح الله صدر الأمير للدعوة، فقبلها وناصرها، وكثر أتباع الشيخ ومؤيدوه.

ومع ذلك؛ فإنّ الذِينَ وقَفُوا من هذه الدعوة موقف العداء، لا زالوا يتربصون بها الدوائر، ويُحَاولُون مُستَميتينَ القَضَاء عليها؛ حيثُ هَالَهُم سرعة انتشارها بين الناس، ولم يتركوا سبيلًا يروا فيه إضعافها إلا سلكوه، وهنا أدرك الشيخ أنّ الموعظة والجدال، وإرسال الرسائل لتوضيح طبيعة هذه الدعوة الجديدة، ولتدعو في الوقت نفسه أولئك الخصوم إلى التروي والرجوع إلى الحق؛ فلم يزدهم ذلك إلا عنادًا وإصرارًا وبغيًا وعدوانًا، أدرك عند ذلك كله أنّه لم يبق أمامه إلا رفع راية الجهاد، لدحر تلك الدعوات المضادة، ونشر دعوة الحق بين الناس، الذين هم متطلعون إليها راغبون فيها، فقد طال ليل الشرك على أفهامهم وعقولهم، ورانت المعاصي على قلوبهم.

فوقعت حروب ومغازي للشيخ وأتباعه، كَلّلها اللهُ له بالنّصر، وأعز الله بذلك دينه، وسَقَطت كُلُّ الدعوات الشيطانية، وسَقَطَ مَعها كُلُّ وثنٍ يُعبد من دون الله، وخَنَس كُلُّ مُشَعْوِذٍ وكَذّاب، وتنفس المسلمون في سائر أنحاء الجزيرة العربية الصعداء، ورَسَخت عَقِيدة التوحيد في نفوس الناس صافية نقية، كما جاء بها رسول الله -صلى الله عليه وسلم.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015