فهذان هم القولان في هل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من فروض العين، أم فروض الكفاية، وقد جمع الحافظ ابن كثير -رحمه الله- بين القولين، فقال في تفسير هذه الآية: "والمقصود من هذه الآية أن تكون فرقة من هذه الأمة متصدية لهذا الشأن أي: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإن كان ذلك واجبًا على كل فردٍ فردٍ من الأمة بحسبه لحديث ((من رأى منكم منكرًا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع بقلبه، وذلك أضعف الإيمان)).

وإلى هذا المذهب أيضًا ذهب الشيخ محمد رشيد رضا فقال في (مختصر تفسير المنار) في تفسير قوله تعالى {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} (آل عمران: 104)، قال الشيخ -رحمه الله-: قد اختلف المفسرون في قوله تعالى {مِنْكُمْ} هل معناه بعضكم أم "من" بيانية، والظاهر أن الكلام على حد قولك ليكن لي منك صديق، فالأمر عام.

ويدل على العموم قول الله تعالى {وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} (العصر: 1 - 3) , فإن التواصي هو الأمر والنهي، ويدل عليه أيضًا قول الله -عز وجل-: {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ * كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ} (المائدة: 78، 79) , وما قص الله علينا شيئًا من أخبار الأمم السالفة إلا لنعتبر به.

قال -رحمه الله-: "ثم لهذه الدعوة مرتبتين: فالمرتبة الأولى هي دعوة هذه الأمة سائر الأمم إلى الخير ويشاركوهم في ما هم عليه من النور والهدى، وهو الذي يتجه به قول المفسر إن المراد بالخير

طور بواسطة نورين ميديا © 2015