وعلى هذا؛ فإنّ نظام الحسبة بهذه الموصفات لا يمكن أن يتغير أو يتبدل بتغير الزمن وتبدل الأشخاص.
أما نظام النيابة العامة وغيره من النظم الوضعية المشابهة فإن فيها من التقصير والأخطاء بقدر قصور وأخطاء واضعيها، وفيها من كل ذلك ما يَجْعَلُها تتغير وتتبدل بمرور الزمن، وتَبَدُّل الأشخاص، ومُسَايرة الرغبات، والميل مع الأهواء.
إذا تبين ذلك، فنقول: الفرق بين الحسبة والنيابة العامة من حيث النشأة:
أولًا: فيما يتعلق بنشأة الحسبة وتطورها: فقد سبق الحديث عن ذلك في درسٍ مستقل، وعرفنا منه أنّ الحسبة نشأت منذ نزول أو نصٍّ شرعي يدعو الأمة إلى إقامة مبدأ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أي: بِبداية انطلاق دعوة الإسلام، وبِقَدْر تَماسك المسلمين وتطبيقهم لهذا المبدأ العظيم فيما بينهم؛ يكونُ تَقَدُّمهم، وتكون خيرتهم وتماسك مجتمعهم، وبقدر تركهم لهذا المبدأ العظيم، وانصرافهم عنه ينالهم الضعف والتفكك في الدنيا، وينالهم العقاب واللعنة في الآخرة، قال الله -تبارك وتعالى-: {فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ} (الأعراف: 165).
وقال تعالى: {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ * كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ} (المائدة: 78، 79).
إذا عُرف هذا، علمنا أن وجود هذا النِّظام الرباني العظيم لم يكن وليد عصرٍ من العصور، أو حَاجة أو مصلحة طارئة، بل هو نظام إلهي عظيم أنزله الله، وأمر به منذ أن وجدت الحياة على هذه الأرض، وأنّ كُلّ الرِّسَالات السماوية جاءت