وخلاصة القول: فإنّ المتفق عليه بإجماع آراء رجال الفقه القانوني أن النظام النيابة العامة من أصل فرنسي بحت أعطي الخصائص التي يتميز بها حاليًا في النظام الحديث منذ قانون التحقيق الجنائي الفرنسي لسنة ألف وثمانمائة وثمانية من الميلاد، والقوانين المعدلة له، والتي لم تتغير حتى الآن، وامتد بعد ذلك إلى مختلف النظم القانونية التي أخذت به.
ليس بالضّرورة إذا ما قَامت مُقارنة بين نظامين أن يكون بينهم تَشابه، فقد تحصل المقارنة حتى ولو لم يوجد ذلك التشابه، يقول الشاعر:
إذا قيل إن السيف أمضى من العصا ... ألم تر أن السيف ينقص قدره
ولكن قد يكون بين هذين النظامين من الصفات المشتركة، ما يدفع الدارس إلى دراسة تلك الصفات؛ لتبيين الحقيقة، ولمعرفة الفروق الجوهرية بينهما؛ فإنّ الأشياءَ لا تُعرف قيمتها الحقيقة إلا بالمقارنة، وعلى هذا فإننا إذ نقارن بين النظامي الحسبة والنيابة العامة لا نقرر أبدًا تَشابه النيابة العامة بمبدأ ونظام الحسبة الإسلامي الأصيل؛ فنظام الحِسْبَة نظامٌ رَبّانِيٌ جليل القدر، وواجب عظيمٌ على المسلمين أن يهتموا به، ويُطَبَِّقوه فيما بينهم، فهو أساسٌ عظيمٌ من أسس هذا الدين، ودعامة قوية من دعائم ترابط الأمة والحفاظ على مصلحها العامة والخاصة.
ويكفي أن الخيرية التي تسعى إليها كل أمة لا تتحقق إلا بالقيام بهذا النظام، وسريانه بين أفراد المجتمع، قال الله -تبارك وتعالى-: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} (آل عمران: 110).