ثانيًا: الإخلاص، أي إخلاص النصيحة عند بذلها لله، وابتغاء ما عنده -سبحانه وتعالى- من الأجر والثواب، الذي وعد به من قام بهذا الفرض، وأدى هذا الواجب، وألا يكون هدف المحتسب من ذلك إبراز نفسه، أو الطمع في الحصول على مال أو شهرة، أو تعالٍ على الناس، ولكن يجب أن يكون هدفه إلزام المسلمين منهج الله، وكلمة التقوى، ومتى كانت نيته صحيحة وعمله خالصًا لله سدده الله ووفقه، وكان ذلك عونًا له على نفسه التي قد تغالب بعز العلم، وإذلال الغير بالجهل، فإذا كان هذا هو الباعث في نفسه فإنه يكون منكرًا أقبح من المنكر الذي يعترض عليه.
ثالثًا: اللين والرأفة؛ فإن الله -تبارك وتعالى- بعث موسى وهارون -عليهما السلام- إلى فرعون؛ فقال لهما: {اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى * فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى} (طه: 43، 44)، فإذا كان هذا في شأن فرعون؛ فإن الحاكم المسلم مهما كانت مخالفته أولى بذلك من غيره.
رابعًا: أن تكون نصيحة الحاكم في السر، وفي حالة الانفراد به عند إبلاغه النصيحة، لا سيما عندما يحدث منه ما يوجب الاحتساب؛ فإن علماء الأمة عليهم أن يختاروا من بينهم من يرونه يصلح للقيام بإبلاغ النصيحة بالطريقة التي تحفظ على الحاكم وقاره وهيبته، ولنا في حديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الخير كله؛ حيث قال: ((من أراد أن ينصح السلطان بأمر فلا يُبد له علانية، ولكن ليأخذ بيده فيخلو به؛ فإن قبل منه فذاك، وإلا فقد أدى الذي عليه)).
يقول ابن النحاس في هذا المعنى في كتابه (تنبيه الغافلين): "ويختار الكلام مع السلطان في الخلوة على الكلام معه على رءوس الأشهاد، بل يود لو كلمه سرًّا، ونصحه خفية من غير ثالث لهما، ويكره أن يقال عنه -أي: الحاكم- أو يحكي