الأمر بالمعروف، وأن أوله التعريف، وثانيه الوعظ، وثالثه التخشين في القول، ورابعه المنع بالقهر في الحمل على الحق بالضرب والعقوبة، والجائز من جملة ذلك مع السلاطين الرتبتان الأوليان، وهما: التعريف، والوعظ، وأما المنع بالقهر فليس ذلك لآحاد الرعية مع السلطان؛ فإن ذلك يحرك الفتنة، ويهيج الشر، ويكون ما يتولد منه من المحذور أكثر، وأما التخشين في القول كقوله: يا ظالم، يا من لا يخاف الله، وما يجري مجراه؛ فذلك إن كان يحرك فتنة يتعدى شرها إلى غيره لم يجز، وإن كان لا يخاف إلا على نفسه فهو جائز بل مندوب إليه، فلقد كان من عادة السلف التعرض للأخطاء، والتصريح بالإنكار من غير مبالاة بهلاك المهجة، والتعرض لأنواع العذاب، لعلمهم بأن ذلك شهادة، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((خير الشهداء حمزة بن عبد المطلب، ثم رجل قام إلى إمام فأمره ونهاه في ذات الله تعالى فقتله على ذلك))، وقال -صلى الله عليه وسلم-: ((أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر)).

ولما علم المتصلبون في الدين أن أفضل الكلام كلمة حق عند سلطان جائر، وأن صاحب ذلك إذا قتل فهو شهيد قدموا على ذلك مُوَطِّنين أنفسهم على الهلاك، ومحتملين أنواع العذاب، وصابرين عليه في ذات الله تعالى، ومحتسبين لما يبذلونه من مهجهم عند الله، وطريق وعظ السلاطين وأمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر ما نقل عن علماء السلف. ونحن نحكي بعض ما وردنا عنهم -رضي الله عنهم- في ذلك؛ فمنها ما روي من إنكار أبي بكر الصديق -رضي الله عنه- على أكابر قريش حين قصدوا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالسوء، وذلك ما روي عن عروة -رضي الله عنه- قال: قلت لعبد الله بن عمرو: ما أكثر ما رأيت قريشًا نالت من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فيما كانت تظهر من عداوته؟

طور بواسطة نورين ميديا © 2015