الطراحة، وأمر برفع المسند الذي كان يتكئ عليه، وخلع الخاتم من إصبعه، وقال: قد ضممت إليك النظر في أمور الشرطة، قيل: فما رأى الناس محتسبًا أهيب منه".

فهذه كانت سيرة العلماء وعاداتهم في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وقلة مبالاتهم بسطوة الملوك، لكنهم اتكلوا على فضل الله، وأن الله يحرسهم، ورضوا بحكم الله أن يرزقهم الشهادة، فلما أخلصوا لله النية أثر كلامهم في القلوب القاسية، وأزال قساوتها وأمالها.

وأما الآن فقد استولى على الناس حب الدنيا، ومن استولى عليه حب الدنيا لم يقدر على الحسبة على الأراذل فكيف على الملوك والأكابر؟! والله المستعان على كل حال. وكانت من عادات السلف الحسبة على الولاة قاطعًا بإجماعهم على الاستغناء عن التفويض، فكل من أمر بالمعروف وإن كان المتولي راضيًا فذاك، وإن كان ساخطًا فسخطه عليه منكر، يجب الإنكار عليه، وكيف يحتاج إلى إذنه، ويدل على ذلك سنن السلف في الإنكار على الأئمة كما في قصة مروان وخطبته قبل الصلاة، فلقد فهم السلف من هذه العمومات دخول السلاطين تحتها، فكيف يحتاج إلى إذنهم؛ لأن الحسبة عبارة عن المنع من منكر بحق الله صيانة للممنوع عن مقارفة المنكر.

وعن سفيان الثوري قال: "حج المهدي في سنة ست وستين ومائة فرأيته يرمي جمرة العقبة والناس يحتاطون به يمينًا وشمالًا، يضربون الناس بالسياط، فوقفت فقلت: يا حسن الوجه، حدثنا أيمن بن نائل عن قدامة بن عبد الله قال: رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يرمي جمرة العقبة يوم النحر على جمل لا ضرب، ولا طرد، ولا جلد، ولا إليك، وهأنت يحيط الناس بين يديك يمينًا وشمالًا؛

طور بواسطة نورين ميديا © 2015