فأما إذا كان فوات المال بطريق هو معصية، كالغصب، أو قتل عبد مملوك للغير، فهذا يجب المنع منه، وإن كان فيه تعب ما؛ لأن المقصود حق الشرع، والغرض دفع المعصية، وعلى الإنسان أن يتعب نفسه في دفع المعاصي، كما عليه أن يتعب نفسه في ترك المعاصي، والمعاصي كلها في تركها تعب، وإنما الطاعة كلها ترجع إلى مخالفة النفس، وهي غاية التعب.
قلنا: إن المحتسب عليه هو كل إنسان يباشر ما تجري فيه الحسبة، وعلى هذا يمكن أن يكون محتسبًا عليه أي فرد في المجتمع بلا استثناء إذا ما صدر منه ما تجري فيه الحسبة، سواء كان إمامًا للمسلمين أو واحدًا من عموم الناس، لكن أول من تجب عليه الحسبة هم أقارب المحتسب؛ لأن أقارب المحتسب من زوجة، وأبوين، وأولاد هم مرآة المحتسب الذين يعكسون للناس صورته، وصورة أهله.
فيجب على المحتسب قبل أن يحتسب على الناس أن يحتسب على أهل بيته أولًا، فبذلك أمر الله تعالى رسوله -صلى الله عليه وسلم- والمؤمنين، فقال الله تعالى للنبي -صلى الله عليه وسلم-: {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا} (طه: 132)، وقال -سبحانه-: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ} (الأحزاب: 59).
ولذلك روي أن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- كان إذا أراد أن يأمر الناس، أو ينهاهم جمع أهل بيته، ثم قال: "إني خارج إلى الناس لآمرهم بكذا، أو أنهاهم عن كذا، فوالله لتكونن أول من تأتمرون، أو أول من تنتهون، وإلا فعلت بكم، وفعلت".