إذا اجتمع محرمان لا يمكن ترك أعظمهما إلا بفعل أدناهما، لم يكن فعل الأدنى في هذه الحال محرمًا في الحقيقة، وإن سمي ذلك ترك واجب، وسمي هذا فعل محرم، باعتبار الإطلاق لم يضر.

ويقال في مثل: هذا ترك الواجب لعذر، وفعل المحرم للمصلحة الراجحة أو للضرورة، أو لدفع ما هو أحرم، وهذا كما يقال لمن نام عن صلاة أو نسيها: إنه صلاها في غير الوقت المطلق قضاء. وهذا، وقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها، فإن ذلك وقتها، لا كفارة لها إلا ذلك)).

وهذا باب التعارض باب واسع جدًّا، لا سيما في الأزمنة والأمكنة التي نقصت فيها آثار النبوة وخلافة النبوة، فإن هذه المسائل تكثر فيها، وكلما ازداد النقص ازدادت هذه المسائل، ووجود ذلك من أسباب الفتنة بين الأمة، فإنه إذا اختلطت الحسنات بالسيئات وجب الاشتباه والتلازم، فأقوام قد ينظرون إلى الحسنات فيرجحون هذا الجانب، وإن تضمن سيئات عظيمة، وأقوام قد ينظرون إلى سيئات فيرجحون الجانب الآخر، وإن ترك حسنات عظيمة، والمتوسطون الذين ينظرون الأمرين، قد لا يتبين لهم أو لأكثرهم مقدار المنفعة والمضرة، أو يتبين لهم فلا يجدون من يعينهم؛ لكون الأهواء قارنت الآراء.

فينبغي للعالم أن يتدبر أنواع هذه المسائل، وقد يكون الواجب في بعضها العفو عند الأمر والنهي في بعض الأشياء، لا التحليل والإسقاط، مثل: أن يكون في أمره بطاعة فعلًا لمعصية أكبر منها؛ فيترك الأمر بها دفعًا لوقوع تلك المعصية. مثل: أن ترفع مذنبًا إلى ذي سلطان ظالم، فيعتدي عليه في العقوبة، ما يكون أعظم ضررًا من ذنبه. ومثل: أن يكون في نهيه عن بعض المنكرات تركًا لمعروف هو أعظم منفعة من ترك المنكرات، فيسكت عن النهي خوفًا أن يستلزم ترك ما أمر الله به ورسوله مما هو عنده أعظم من مجرد ترك ذلك المنكر.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015