الشرط الرابع: يشترط في المنكر أن يكون معلومًا بغير اجتهاد: قال الإمام النووي في (شرح مسلم): العلماءُ إنما ينكرون ما أجمع عليه، أما المختلف فيه: فلا إنكار فيه؛ لأن على أحد المذهبين كل مجتهد مصيب، وهذا هو المختار عند كثير من المحققين، أو أكثرهم، وعلى المذهب الآخر المصيب واحد، والمخطئ غير متعين لنا، والإثم مرفوع عنه؛ لكن إن ندبه على جهة النصيحة إلى الخروج من الخلاف فهو حسن محبوب، مندوب إلى فعله برفق، فإن العلماء متفقون على الحث على الخروج من الخلاف إذا لم يلزم منه إخلال بسنة، أو وقوع في خلاف آخر.

وذكر الماوردي في كتاب (الأحكام السلطانية) خلافًا بين العلماء في أن من قلده السلطان الحسبة هل له أن يحمل الناس على مذهبه فيما اختلف فيه الفقهاء إذا كان المحتسب من أهل الاجتهاد، أم ليس له أن يغير ما كان على مذهب غيره؟ والأصح أنه لا يغير؛ لما ذكرناه، ولم يزل الخلاف في الفروع بين الصحابة والتابعين، فمن بعدهم -رضي الله عنهم أجمعين- ولا ينكر محتسب ولا غيره على غيره، وكذلك قالوا: ليس للمفتي، ولا للقاضي أن يعترض على من خالفه إذا لم يخالف نصًّا، أو إجماعًا، أو قياسًا جليًّا.

وقال الحافظ ابن رجب في (جامع علوم والحكم) في شرح حديث: ((من رأى منكم منكرًا فليغيره)) قال: والمنكر الذي يجب إنكاره: ما كان مجمعًا عليه، فأما المختلف فيه: فمن أصحابنا من قال: لا يجب إنكاره على من فعله مجتهدًا، أو مقلدًا لمجتهد تقليدًا سائغًا.

واستثنى القاضي في (الأحكام السلطانية) ما ضعف فيه الخلاف، وإن كان ذريعة إلى محظور متفق عليه، كربا النقد، فالخلاف فيه ضعيف، وهو ذريعة إلى ربا النسا المتفق على تحريمه، وكنكاح المتعة؛ فإنه ذريعة إلى الزنا.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015