فإذا عرفنا هذا عن فضل العلم وأهميته ومكانته، ومنزلة أهله، وأن الإسلام أولى العلم من الأهمية والمكانة ما لم تفعله كل الرسالات السابقة، فالسؤال الآن: لماذا كان هذا الاهتمام بالعلم في الإسلام؟.

والجوابُ ببساطة -وقد تقدم طرف من ذلك-: لأن العلم هو الأساس في معرفة الله -سبحانه وتعالى- وذلك عن طريق التفكر في مخلوقاته -سبحانه وتعالى-، وآياته الكونية، والتنزيلية، قال الله تبارك وتعالى: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} (آل عمران:190، 191).

وهذا التفكر والتدبر لا يكون إلا بعد تحصيل العلم، والاستنارة بنوره، فإذا حصل المسلم العلم، ثم سخره للتدبر والتفكر في آلاء الله، وحكمة صنعه، قاده ذلك إلى معرفة ربه، والإيمان به إيمانًا ينير له الطريق في هذه الحياة، ويجعله يعيش في سعادة وطمأنينة، وينشد به تقوى الله؛ مما يوفر ويضمن له حسن الثواب في الآخرة؛ ولذلك قال تعالى: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} (فاطر: 28).

ثم بين جزاءهم في الآخرة فقال: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ * جَزَاؤُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ} (البينة:7، 8)، وهم العلماء.

وهذا أول أهداف العلم في الإسلام: أن يعرف المسلم ربه وخالقه؛ فإن المسلم إذا عرف ربه حق المعرفة، وتيقن واطمأن قلبه بذلك حقق، وطبق كل ما تستلزمه العبودية الواردة في قول الله تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} (الذاريات: 56).

طور بواسطة نورين ميديا © 2015