وأن تعليمهم السحر للناس، إنما هو ابتلاء لهم، وتبرئة لسليمان عليه السلام مما افترته الشياطين عليه، وأنهما لا يعلمان أحدًا حتى يبذلا قصارى جهدهما في النصيحة له بنهيه عن ذلك التعلُّم، وإعلامه بمغبة ما يُقدِم عليه، ووقوعه بالكفر باعتقاده حقِّيَّته، وخسرانه المبين في آخرته. بينا كان تعليم الشياطين السحر للناس، افتراء على سليمان عليه السلام، وكفرًا بنبوته وشرعه، ودعوة إلى العمل بالسحر، وإضلالاً لعباد الله تعالى، فشتَّانَ بين مُحَذِّرٍ من ضلالة، وبين داعٍ إليها.

جـ- ... أن السحرة قد كثروا في ذلك الزمان ببابل، وأن بعضهم قد افتتن الناس به، حتى ادَّعَوا له نبوة، فبعث الله هذين الملكين ليعلما الناس أبواب السحر، حتى يزيلا اللبس الحاصل عند الناس بين معجزات الأنبياء وأباطيل السحرة.

د- ... أن في جعل (هاروت وماروت) بدلاً من الشياطين، ما لا يخفى من تكلُّفٍ، لا يتناسب مع قواعد العربية التي توجب أن يكون البدل مطابقًا للمبدل منه، فكيف يكون اثنان بدلاً من جمع، وهو نادر في لغة العرب، فضلاً عن أن السياق هنا يأباه.

هـ- ... أن دأْب الشياطين ودَيْدنهم هو تزيين الباطل، وتسويل الإضلال والدعوة إلى الكفر، كما قال تعالى: [الحَشر: 16] {كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلإِنْسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ *} . فكيف يسوغ أن يكون هاروت وماروت من الشياطين، مع كونهما - بنص الآية - يحذران المتعلم أشد التحذير من تعلّم السحر، وينهيانه أعظم النهي عن الوقوع بما يتسبب بكفره؟ ثم هما لا يعلّمان إلا من أبى أن ينزجر عما زجراه عنه، فلو كانا شيطانين لرحّبا به أيما ترحيب، فهو قد أقبل عليهما بكلّيته لا يريد إلا غاية ما يسعيان لأجله، وهو إضلال الناس.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015