أخي القارئ الكريم:
هذا ما وفقني الله تعالى لاختياره من اجتهاد أهل العلم في هذه المسألة، ولا أجزم بترجيح فيه، إلا أنه - كما ذكر آنفًا - هو قول الجمهور منهم، ولغيرهم اجتهاده، ولكلٍّ منهم أدلته وتعليله، والله أعلم بمراده.
المسألة الثانية: قد يلتبس على البعض جواز تعليم الملائكة الناس التفريقَ بين المرء وزوجه، مع ما ثبت من الدلائل على عصمة الملائكة عن المعصية، فكيف يمكن التوفيق بين هذا وذاك؟
[إن السحر مما قد نهى الله عباده من بني آدم عنه، فغيرُ منكَرٍ أن يكون جلّ ثناؤه علّمه الملكين الذين سمّاهما في تنزيله، وجعلهما فتنة لعباده من بني آدم - كما أخبر عنهما أنهما يقولان لمن يتعلم ذلك منهما: [البَقَرَة: 102] {إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلاَ تَكْفُرْ} ، ليختبر بهما عباده الذين نهاهم عن التفريق بين المرء وزوجه، وعن السحر، فيمحِّصَ المؤمنَ بتركه التعلم منهما، ويخزي الكافر بتعلمه السحر والكفرَ منهما، فيكون الملكان في تعليمهما مَنْ علّماه ذلك لله مطيعَيْن، إذ كانا - عن إذن الله لهما - يعلّمان. وقد عُبد من دون الله جماعة من أولياء الله، فلم يكن ذلك لهم ضائرًا، إذ لم يكن ذلك بأمرهم إياهم به، بل عُبد بعضهم والمعبود عنه ناهٍ. فذلك الملكان غير ضائرهما سحرُ مَن سَحَر، ممن تعلم ذلك منهما، بعد نهيهما إياه عنه، وعِظتهما له بقولهما: {إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلاَ تَكْفُرْ} إذا كانا قد أدّبا ما أُمِرا به بقيلهما ذلك] (?) كذلك [فإن هذين الملكين قد سبق في علم الله تعالى لهما إنزالها بابل, وإنزال علم التفريق بين المرء وزوجه عليهما, فيكن هذ ... اتخصيص لهما من جملة الملائكة عليه السلام, فلا تعارض حينئذ, وذلك كما سبق في علمه تعالى من أمر إبليس من استكباره عن السجود لآدم, مع كونه في الملأ الأعلى وقد